فتبّا لدنيا لا يدوم نعيمها # تقلّب تارات بنا و تصرف
ثم قالت: اسمع منّي دعاء كنّا ندعو به لأملاكنا: "شكرتك يد افتقرت بعد غنى، و لا ملكتك يد استغنت بعد فقر، و أصاب اللّه بمعروفك مواضعه، و لا أزال عن كريم نعمة إلاّ جعلك سببا لردّها إليه، و لا جعل لك إلى لئيم حاجة".
قال: فتركها و خرج، فجاءها النصارى و قالوا: ما صنع بك الأمير؟. فقالت: صان لي ذمّتي و أكرم وجهي، إنّما يكرم الكريم الكريم. [1]
خالد بن الوليد و ابن بقيلة
أخرج أبو عبد اللّه الحميري، قال:
لمّا أقبل خالد بن الوليد يريد الحيرة نزل بالنجف و بعث إليهم أن ابعثوا إليّ رجل من عقلائكم، فبعثوا إليه عبد المسيح بن عمرو بن حسّان بن بقيلة الغسّاني، فأتى عبد المسيح خالدا و له يومئذ ثلاثمئة سنة و خمسون سنة، فتجاهل عبد المسيح و أحبّ أن يريه من نفسه ما يعرف به عنده، فقال له خالد: من أين أقصى أثرك؟. قال: من صلب أبي، قال: فمن أين جئت؟. قال: من بطن أمّي، قال: فعلام أنت ويحك؟.
قال: على الأرض، قال: أتعقل؟. قال: إي و اللّه و أقيد، قال: ابن كم أنت؟. قال: ابن رجل واحد، قال: اللهمّ اخزهم من أهل بلدة فما يزيدوننا إلا عمى، أسأله عن شيء فيجيبني عن غيره، قال: لا و اللّه، ما أجيبك إلاّ عن سؤالك، فسل عمّا بدا لك، قال:
أعرب أنتم أم نبط [2] ؟. قال: نبط استعربنا و عرب استنبطنا، قال: بحرب أم سلم؟. قال:
بل سلم. قال: فما هذه الحصون؟. قال: بنيناها للسفيه تمنعه حتى يأتي الحليم فينهاه، قال: كم أتت عليك؟. قال: خمسون و ثلاثمئة، قال: فما أدركت؟. قال أدركت
[2] النبط قوم من جبلة العرب و إن تبرّأ العرب منهم و عيّروا بهم و أبعدوا أنفسهم عنهم و عابوا عليهم لهجتهم حتى جعلوا لغتهم من لغات العجم. (لاحظ موضوع"عروبة النجف"في الفصل الأول من الكتاب)