المعروف أنّ الأدب في العراق خلال العصر العثماني كان وليد الدراسات الدينية و رجالها لا رجال السلطان و الدولة، و لذا فقد كانت النجف أكثر اهتماما بالأدب من مركز الحكم بغداد و من بقية المدن العراقية. و قد كانت نظرة رجال الدين إلى الأدب و الشعر في قرون الفترة المظلمة-كما يعبّر عنها-نظرة ازدراء و استخفاف لكون رجال الدين في الغالب هم من غير العرب، و قد ولّوا وجوههم شطر الفلسفة و المحاكمات الجدلية، يستعينون بها على استصدار الأحكام الفقهية و القواعد الأصولية، و لا يجدون مبرّرا لصرف أوقاتهم في أدب لا يتوفّرون عليه، و لذلك كان العمل الأدبي مرغوبا عنه من قبلهم، و بالتالي مرغوبا عنه من قبل أتباعهم و مشايعيهم من الفقهاء العرب. أمّا الذين يمارسون الشعر و كتابة الرسائل فهم من طبقة غالبها لا حظّ لها من علم و لا مقام من منزلة اجتماعية، كما أنّ شعراء هذه الفترة نظموا على الطريقة التقليدية فمالوا إلى تكرار اللفظ و المعنى و التمسّك بالبديع و ابتعدوا عن الابداع و الشعور.
و لم يدم الأمر على ذلك، ففي نهايات القرن الثاني عشر الهجري و بعد أن كان الأدب في النجف مزدرى فيه من قبل أعلام رجال الدين عاد الأدب من صناعتهم التي يعتزّون بها و يندبون الناس لها، فقد أدرك هؤلاء و قد استحوذت علهم العجمة و حالت بينهم و بين تذوّق النصوص القرآنية و الحديثية أنّ فهم هذه النصوص يستدعي فهما أدبيا عاليا. فالنهضة التي قادها الزعيم الديني الشيخ محمد باقر البهبهاني المعروف بالوحيد البهبهاني و سار بالفقه الشيعي على الطريقة الأصولية حتى وفاته في كربلاء سنة 1208 هـ، حسّست طائفة من أعلام أهل العلم و أكابر الفقهاء و على رأسهم تلامذة الوحيد البهبهاني، كالعلاّمة السيّد محمد مهدي بحر العلوم، و الشيخ الأكبر جعفر كاشف الغطاء، و الشيخ محمد محيي الدين العاملي، بأنّ الدين و الفقه الذي يضحّي المرء من أجلهما أنفس شيء أصبحا غير مفهومين لخلو الطبقة المفقهة من الأدب الحارس لحقيقة العلم، و أصبح كلّ واحد من هؤلاء الأعلام يرى بعقيدة أنّ الإجتهاد