بأحمد لما أن شددت مطيتي * برحلي وقد ودعته بسلام
بكى حزناً والعيس قد فصلت بنا * وأخذت بالكفين فضل زمام
ذكرت أباه ثم رقرقت عبرة * تجود من العينين ذات سجام
فقلت: ترحل راشداً في عمومة * مواسير في البأساء غير لئام [1]
فجاء مع العير التي راح ركبها * شآمي الهوى والاصل غير شآم
فلما هبطنا أرض بصرى تشرفوا * لنا فوق دور ينظرون جسام
فجاء بحيرا عند ذلك حاشداً * لنا بشراب طيب وطعام
فقال اجمعوا أصحابكم لطعامنا * فقلنا جمعنا القوم غير غلام
يتيم فقال ادعوه إن طعامنا * كثير عليه اليوم غير حرام
فلو لا الذي خبرتم عن محمد * لكنتم لدينا ا ليوم غير كرام
فلما رآه مقبلاً نحو داره * يوقيه حر الشمس ظل غمام
حنا رأسه شبه السجود وضمه * إلى نحره والصدر أي ضمام
وأقبل ركب يطلبون الذي رأى * بحيرا من الاعلام وسط خيام
فثار اليهم خشيةً لعرامهم [2] * وكانوا ذوي بغي لنا وعرام
دريس وتمام وقد كان فيهم [3] * زبير وكل القوم غير نيام
فجاؤوا وقد هموا بقتل محمد * فردهم عنه بحسن خصام
بتأويله التوراة حتى تيقنوا * وقال لهم رمتم أشد مرام
أتبغون قتلاً للنبي محمد * خصصتم على شؤم بطول أثام
وإن الذي نختاره منه مانع * سيكفيه منكم كيد كل طغام
فذلك من أعلامه وبيانه * وليس نهار واضح كظلام
[1] في الديوان والروض الأنف، مواسين بدلاً من: مواسير.
[2] العرام: الشراسة والأذى. (المؤلف)
[3] دريس، وتمام، وزبير ـ في بعض النسخ: زدير. أحبار من اليهود. (المؤلف)