الحرمة، و تستباح سيرة العقيلة النبوية، مثلما استبيحت المدينة، و أحرقت الكعبة، من قوم لا يتأثّمون و لا يستعظمون من الاجتراء على حدود اللّه، حتّى يتمّ تجريد جمهور المسلمين من عزّة مقدّساته، و حتّى تتحطّم قياداته و تتهاوى قدواته.
فالطعنة بهذا البهتان لم تكن تعني سكينة بنت الحسين وحدها، بل كانت في صميمها مذبحة أخرى- ككربلاء- معنوية و أدبية، تغتال فيها شخصية أهل البيت، لتنتزع بالافتراء قيادتها الروحية، كما انتزعت من قبل بالغدر و الذبح قيادتها الحكومية، و لا أقول: السياسية؛ إذ أنّ هذه القيادات السياسية و الروحية لأهل البيت لم تسقط عنهم أبدا، في أيّ يوم من الأيام، على مدى الزمن الإسلامي، على الرغم من الجهد الهائل للباطل و أعوانه في كلّ زمان و مكان!
* المشهد الختامي
كانت سكينة منذ حداثتها صاحبة مصحف و ذكر و ثقافة نبوية، تعكسها في ذكاء و إبداع، ورثت عن أبيها و جدّها البلاغة، و عن عمّتها الطلاقة و المبادرة بردّ الإساءة في شجاعة و رقى، و عن أمّها قول الشعر الذي تمحور حول رثاء الحسين:
إنّ الحسين غداة الطفّ يرشقه* * * ريب المنون فما أن يخطئ الحدقة
بكف شرّ عباد اللّه كلّهم* * * نسل البغايا و جيش المرق الفسقة! [1]
ظلّت سبع سنوات، بعد كربلاء، رافضة للزواج، و المعروف شعبيا أنّها كانت مخطوبة للقاسم ابن عمها الحسن [2]، الذي استشهد في السابع من محرّم عام 61 ه،
[1]. من أبيات رثت بها أباها الشهيد (عليه السّلام)، يحكيها الزجاج في أماليه: 109 ط 2- مصر.
[2]. تقدّم الكلام بأنّ حديث تزويج القاسم منها محض قول عار عن الصحة، لعدم الشاهد له، بل العكس- كما ذكرنا- أنّ علماء النسب و التاريخ يؤكّدون بأنّ زوجها الأول هو عبد اللّه الأكبر، أخو القاسم، ابنا الإمام الحسن المجتبى (عليه السّلام)، منهم النسّابة أبو الحسن العمري، و العلّامة الطبرسي، و الشيخ الصبّان و أبو الفرج و المدائني .. و غيرهم.
و كذلك لأنّ القاسم آنذاك لم يدرك الحلم كما نصّ عليه أهل التاريخ و المقاتل.