و قال في جوابه له: إن النبي (صلى اللّه عليه و سلّم) لم يفارق الدنيا حتى علم كل شيء.
و لما بلغ جوابه هذا لعلماء فاس و ما هو في حكمها أنكروه، و بالغوا في التشنيع عليه حتى إن بعضهم نسب معتقده هذا إلى الكفر، فلما بلغه هذا الإنكار رد عليهم أبلغ رد في جواب له كتبه في هذه المسألة، و قال فيه: و إني لأفضي العجب من المنكرين لذلك مع ورود الأحاديث الصحيحة به.
ففي «كبير» الطبراني عن ابن عمر رضي اللّه عنهما عنه (صلى اللّه عليه و سلّم) قال: «أوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخمس [1]». و عن عبد اللّه ابن مسعود رضي اللّه عنه مثله.
و قد تقرّر أن الاستثناء معيار العموم، و عليه فعلمه (صلى اللّه عليه و سلّم) محيط بكل شيء سوى الخمس، و الخمس قد علمها (صلى اللّه عليه و سلّم) بعد على ما عليه المحققون؛ إذ هو (صلى اللّه عليه و سلّم) من لدن بعثه اللّه إلى أن قبضه في الترقيات و التجليات فبحسبها ورد: «ما المسئول عنها بأعلم من السائل».
«لا تفضلوا بين الأنبياء».
ثم ورد بعد أنه علم الخمس، و أنه سيد ولد آدم يوم القيامة و لا فخر، و ما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائه.
و قال الحافظ السيوطى: أوتي (صلى اللّه عليه و سلّم) علم كل شيء إلا الخمس.
و قيل: إنه أوتيها أيضا و أمر بكتمها، و الخلاف جار في الروح.
و إذا تقرر هذا علم أنه (صلى اللّه عليه و سلّم) أحاط بكل شيء علما فضلا من اللّه تعالى فما يقال لفضل اللّه ذا فكم؟ و قال البوصيري:
دع ما ادعته النصارى في نبيهم* * * و احكم بما شئت مدحا فيه و احتكم [2]
[1] رواه الطبراني (12/ 360) (13344)، و قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 263): رجاله رجال الصحيح.
[2] البيت للبوصيري في البردة (ص 112) طبع دار المصطفى.