البتة، فمنه ما ألقاه بنفسه كأرواح الملائكة و أكثر العالم العلوي، و منه أيضا ما ألقاه عن أمره، فيحدث الشيء عن وسائط كبرة الزراعة ما تصل إلى أن تجري في أعضائك روحا مسبحا و ممجدا إلا بعد أدوار كثيرة، و انتقالات في عالم، و تنقلب في كل عالم من جنسه على شكل أشخاصه، فرجع الكل في ذلك إلى من أوتي جوامع الكلم انتهى المراد منه بلفظه أيضا و راجعه.
و فيها أيضا في الباب السابع و الثلاثين و ثلاثمائة ما نصه:
و أما منزلته (صلى اللّه عليه و سلّم) في العلوم خاصة، فأحاطه بعلم كل عالم باللّه من العلماء به تعالى متقدميهم و متأخريهم، ثم ذكر أن من كماله (صلى اللّه عليه و سلّم) أنه خصّ بست لم تكن لنبيّ قبله.
ثم قال: و الخصلة الثانية: أوتي (صلى اللّه عليه و سلّم) جوامع الكلم، و الكلم: جمع كلمة، و كلمات اللّه لا تنفد، فأعطي علم ما لا يتناهى، فعلم بما لا يتناهى ما حصره الوجود، و علم ما لم يدخل في الوجود، و هو غير متناه، فأحاط علما بحقائق المعلومات، و هي صفة إلهية لم تكن لغيره انتهى المراد منه بلفظه أيضا.
و قال الأمير عبد القادر الجزائري في «مواقفه» في الموقف السادس و الثمانين و مائتين أثناء كلام له ما نصه:
و كما أن الحق تعالى علم كل شيء من علمه بنفسه؛ لأن جميع الأشياء كذلك هو (صلى اللّه عليه و سلّم) علم جميع الأشياء إجمالا و تفصيلا من علمه بذاته و حقيقته التي هي حقيقة الحقائق، و مصدر كل كائن و مبدأ الكل و خزانة العلوم الإلهية و الكونية منه تخرج و على يديه تقسم فالقلم الأعلى و هو العقل الأول و النفس الكلية و هي اللوح المحفوظ و سائر الأرواح العلوية و السفلية من ذواته تكتب و بعينه تبصر و من مشكاته تنظر فهو بكل شيء عليم بيده مفاتيح الخزائن الإلهية و كل ما ظهر في العالم مطلقا فلا يظهره الاسم الإلهي إلا عن إذن محمد (صلى اللّه عليه و سلّم).
فإن قيل: ما الفرق بين علمه (صلى اللّه عليه و سلّم) و بين علم الحق تعالى في مقام الفرق؟
قلنا: هو أنه تعالى علم الأشياء و هي في العدم لا عين لها في الوجود بوجه من الوجوه و هو (صلى اللّه عليه و سلّم) إنما علم الأشياء بعد أن صار لها ضرب من الوجود و هو الوجود العلمي فإنه ما