و قد قيل في تفسير قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ [الحجر: 75]:
أي المتفرّسين.
و في الحديث عن النبي (صلى اللّه عليه و سلّم): «اتّقوا فراسة المؤمن؛ فإنّه ينظر بنور اللّه [1]».
و عن القشيري: أن الجنيد وقف عليه غلام نصرانيّ متنكرا و هو يتكلم على الناس في الجامع، فقال: أيها الشيخ، ما معنى قول النبي (صلى اللّه عليه و سلّم): «اتّقوا فراسة المؤمن؛ فإنّه ينظر بنور اللّه»؟ فأطرق الجنيد، ثم رفع رأسه، ثم قال: أسلم؛ فقد حان وقت إسلامك. فأسلم الغلام [2].
و سئل بعضهم عن الفراسة؟ فقال: أرواح تتقلب في الملكوت، فتشرف على معاني الغيوب، فتنطق عن أسرار الخلق نطق مشاهدة و عيان لا نطق ظنّ و حسبان.
و قال الشيخ أبو عبد اللّه القرشي: العالم من نطق عن سرّك، و اطّلع على عواقب أمرك.
و قال أيضا: الولي يرى الأشياء من وراء حجاب الشرع.
و جميع هذه الأقوال مما رويناهم عنهم مشهورة مرويّة عند أهل العلم في تصانيف مشهورة كالرسالة و غيرها، و ليس القصد حصر ما قاله الشيوخ في ذلك و لا ما وقع له منه، فإن ذلك مما لا سبيل إلى نزف بحره التيّار العميق الزخار، و إنما القصد التنبيه على ذلك مع أنه لا حاجة أيضا إلى التنبيه عليه؛ فقد قام البرهان القطعي على جواز كرامات الأولياء من حيث الجملة، و هذا من جملتها، و قد تقدّم الدليل على جواز بلوغ الكرامة مبلغ المعجزة في جنسها و عظمها.
[1] رواه الترمذي (5/ 298)، و الطبراني في الكبير (8/ 102)، و في الأوسط (8/ 23).
[2] انظر: البداية و النهاية لابن كثير (12/ 114)، و طبقات الأولياء لابن الملقن (ص 128)، و وفيات الأعيان لابن خلكان (1/ 373)، و الوافي بالوفيات للصفدي (ص 1556)، و روض الرياحين لليافعي (ص 113)، و روضة الحبور لابن الأطعاني (ص 110)، و كتابنا الإمام الجنيد (ص 179)، و تاريخ بغداد (7/ 242)، و شذرات الذهب لابن العماد (2/ 228).