إنّك كالطفل اللطيف المرتضع * * * و أمّك الدنيا الدنيّة، استمع
و مهدك المكان، و المربّية * * * هو الزمان، و العناصر أغذية
كما الرضيع لم يوافقه الغذا * * * إلّا إذا غيّر ثدي الامّ ذا
سرّ
(إنّك كالطفل اللطيف المرتضع، و أمّك الدنيا الدنيّة، استمع)، و إذا كنت كالطفل و من ملائمات الطفولية المهد و المربّية و الأغذية الموافقة لمزاجه، قلنا:
(و مهدك المكان، و المربّية) لك (هو الزمان) بفصول [1] الأربعة (و العناصر أغذية)، فإنّها مادّة كلّ مركّب من المتغذّيات، و (كما الرضيع)- مفعول مقدّم- (لم يوافقه[2]الغذا)، أي الغذاء الذي للكبار كالخبز و اللحم و الهريسة و نحوها، (إلّا إذا) أكلتها أمّها و (غيّر ثدي الامّ ذا)، إذ هذه تصير دما، و إذا جذب جاذبة الثدي الدم الّذي هو سهمه إليه و جاور اللحوم الغدديّة التي في الثدي، غيّرته مغيّرة الثدي إلى اللبن، و صار الدرّ كالدرّ الأبيض، بعد ما كان الياقوت الأحمر، و حينئذ وافق مزاج الطفل، و بدون ذلك يهلكه.
فالسنخيّة بين المغتذي و الغذاء معتبرة، كما بين كلّ مدرك و مدرك، بل [3] المدرك أيضا غذاء للمدرك، فللبصر الاضواء و الألوان و الأشكال، و للسمع الأصوات و الكلمات، و للذوق الطعوم، و للشمّ الروائح، و للمس الكيفيّات الملموسة، فإن كانت كلّ من هذه حسنة شهيّة بهيّة كانت كالأغذية اللذيذة للأعضاء، و إلّا فهي كالأغذية و الأدوية البشعة، و كذا الخيالات للخيال و الموهومات للوهم، و كذا في المحرّكة و العاقلة.