الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد و آله الطيبين الطاهرين و اللعن الدائم على أعدائهم و مبغضيهم و منكري فضائلهم الى يوم الدين.
و بعد فإنّه لا يخفى مدى أهميّة علم اصول الفقه و تأثيره على عملية استنباط الأحكام الشرعية، فإنّ نسبته الى علم الفقه نظير نسبة علم المنطق الى سائر المعارف و العلوم، إذ أنّ الاستدلال على الحكم الشرعي عادة يتوقّف على تحكيم جملة من القواعد و المباني الكلية التي يتكرّر الاستناد اليها و الارتكاز عليها؛ فإنّها تؤخذ عادة في علم الفقه كقضايا مسلّمة مفروغ عنها من قبيل حجيّة الظهور و حجيّة الإجماع و ظهور الأمر في الوجوب و النهي في الحرمة أو الاصول العملية و قواعد التعارض و غير ذلك، و إنّك لا تكاد ترى عملية استدلال فقهية خالية من شيء من تلك القواعد.
و كان لا بدّ من تنقيح هذه المسائل و تحقيقها؛ إذ أنّها ليست من المعارف البديهية و الضرورية بل هي من جملة القضايا النظرية التي تفتقر الى الدليل و تحتاج الى الإثبات، و قد تكفّل علم الاصول بمعالجة هذه المطالب و دراستها.
و نحن إذا تتبّعنا مسيرة علم الاصول نجد أنّه مرّ بمراحل تاريخية عديدة حتى بلغ ذروته على يد الوحيد البهبهاني (رحمه اللّه) و أوضح دقائقه الشيخ الأعظم (رحمه اللّه) و تبعه تلامذته النابغين و على رأسهم المحقق الخراساني (رحمه اللّه) الذي وضع اسس المدارس