و بعبارة اخرى: أنّه (رحمه اللّه) لا فرق عنده بين الشكّ في التكليف- كالشكّ في نجاسة مائع معيّن- و بين الشكّ في المكلّف به- كالمائعين في المثال المذكور- في جواز ارتكاب كلا المشتبهين و عدم وجوب الاجتناب [1]، و الوجه فيه جريان أدلّة البراءة فيهما و شمولها عليهما من حيث صدق الشكّ و الجهل فيهما معا، و بعبارة أوضح: العلم الإجماليّ عنده كالمجهول رأسا، بحيث لا يثبت به التكليف شرعا، فافهم.
المذهب الثالث: كفاية وجوب الموافقة الاحتماليّة؛
و هذا هو مختار المحقّق القمّيّ (رحمه اللّه) و إن نسب إليه ما نسب إلى المحدّث المجلسيّ (رحمه اللّه) من جواز المخالفة القطعيّة و ارتكاب أطراف العلم الإجماليّ في الشبهات الموضوعيّة- كالمائعين في المثال المذكور- لكنّه ليس بتامّ؛ لأنّ كلامه في القوانين لا يطابق ما نسب إليه، و إليك بقوله (رحمه اللّه) في القوانين: «أقول: و الأقوى فيه أيضا أصالة البراءة، بمعنى أنّه
الحديثيّة، نعم ورد ما يقرب منها، مثل: قولهم (عليهم السّلام): «كلّ شيء فيه حلال و حرام فهو لك حلال أبدا حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه» و «كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه» انظر وسائل الشيعة 12: 59 و 60، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1 و 4].
[1] و لا يخفى أنّ ما اختاره (رحمه اللّه) من جواز ارتكاب المشتبهين تدريجا، هو على مبناه العلميّ، و أمّا في مقام الفتوى و العمل فإنّه (رحمه اللّه) قد احتاط و قال بعدم جواز ارتكابهما و لو تدريجا.
و الشاهد عليه ما جاء في كلام صاحب الأوثق: 323 حيث قال (رحمه اللّه): «و أمّا المجلسيّ فعبارته المحكيّة غير صريحة في ذلك- إلى أن قال-: لأنّه يحتمل أن يريد به تقوية هذا القول بحسب الدليل دون الفتوى، و الفرق بينهما واضح ...».