بالقوم حتّى أخافهم و شوّدهم، و جرى على مخلّفي أبي محمّد بسبب ذلك كلّ عظيمة من اعتقال و حبس و تهديد و تصغير و استخفاف و ذلّ، و لم يظفر السلطان منهم بطائل، و حاز جعفر تركة أبي محمّد عليه السّلام و اجتهد في القيام على الشيعة مقامه، فلم يقبل أحد منهم ذلك، و لا اعتقدوه فيه، فصار إلى سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه، و بذل مالا جليلا، و تقرّب بكلّ ما ظنّ أنّه يتقرّب به، فلم ينتفع بشيء من ذلك [1] . انتهى.
المهديّ و محلّ غيبته
هذا ما صحّ عندنا معاشر الشيعة الاماميّة في كيفيّة غيبة مولانا أبي القاسم محمّد بن الحسن المهديّ عليه و على آبائه أفضل الصلاة و السلام، و هو الذي رواه هؤلاء الأعلام -أئمّة الحديث-الذين عليهم الاعتماد، و إليهم الاستناد، و أمّا بعض ما يقوله في هذا الباب بعض عوامّ الشيعة، و نسبه إلينا كثير من خواصّ أهل السنّة فلا أعرف له مدركا، و لم أجد له مستندا.
نعم، هذا ما صحّ عندنا، و أمّا أنّ المهدي أين كان عند وفاة أبيه، و في أيّ مكان وقعت غيبته، أو في أيّ زاوية من زوايا داره غاب؟صعد السطح أو نزل السرداب، أخفى نفسه فيها أو خرج هاربا من الباب، فلا طريق لي إلى معرفته على نحو القطع.
نعم، العادة تقضي أن يكون عند وفاة أبيه عنده و في بيته كيف لا و هو طفل فدته الكهول و الشيوخ، فلا محلّ له إلاّ حجر أبيه و أمّه، و ربّما يستفاد ذلك أيضا من رواية أحمد بن عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان، فهو عليه السّلام كان في بيته، و غاب و لم يعرف الناس خبره و إن تتبّع السلطان و أصحابه و أعوانه أثره.
قد عرفت أنّ السلطان وكّل جماعة من ثقاته في مرض أبي محمّد الحسن العسكري به، و أظهر أن الغرض من ذلك أن يتعاهدوا خدمته؛ لأنّه لم يكن عنده يومئذ غير عقيد الخادم و صقيل أمّ ولده والدة مولانا المهديّ.