و كانوا أيضا يقتدون بحبّها و ببغضها، و لقد ورد عنهم أنهم قالوا: «نحن غضاب لغضبها، و إذا رضيت رضينا».
و إن مكانة الزهراء (عليها السلام) و عظمتها بلغت حدا لا يبلغ الأنبياء حد الكمال في نبوتهم إلا بمحبتها و الإقرار بفضلها، كما أن الباري عز و جل باهى بها و بعبادتها أمام الملائكة، و جعلها قطبا يدور حولها تبيين فضائل و عظمة الرسول الأكرم (صلّى اللّه عليه و آله) و أمير المؤمنين و الحسنين (عليهم السلام) فقال عز و جل: «هم فاطمة و أبوها و بعلها و بنوها».
و كان جبرائيل يحضر عندها و يحدّثها بأخبار ما كان و ما يكون و هي كانت تملي تلك الأخبار على أمير المؤمنين (عليه السلام)، و كان الإمام (عليه السلام) يكتب ذلك. و من هنا نشأ مصحف فاطمة، فتداولته أيدي الأئمة المعصومين (عليهم السلام) يدا بيد حتى وصل إلى يد صاحب الزمان عجل اللّه تعالى فرجه الشريف.
الجانب النوري و الشخصية الروحية للزهراء (عليها السلام)
إن التعريف بالجهات التكوينية للزهراء (عليها السلام) يفوق فهمنا البشري، و أما الأوصاف التي جاء ذكرها في مضامين أحاديث العترة المعصومة (عليهم السلام) فلا يمكننا إلا سردها تيمنا و تبركا في هذه الصفحات، لأنّنا لا نستطيع فهم و استيعاب الأسرار و الرموز الكامنة فيها.
و إننا حينما نمعن النظر في خلقة الزهراء (عليها السلام)، نجد أن نورها خلق منذ أربعين ألف عام قبل خلق آدم و سائر الخليقة، و أن الأشباح الخمسة كانت تسبّح اللّه عز و جل و تقدّسه في أعلى عليين، و أن الزهراء (عليها السلام) كانت تخبر أمير المؤمنين (عليه السلام) بما كان و ما يكون و ما سيكون إلى يوم القيامة، و أنها كانت تتكلم و هي في بطن أمها، و كان يأتيها طعام من الجنة بمشيئتها و هي في محراب عبادتها. و ورد أنها حينما غضبت اهتزت أرض المدينة و انقلعت أعمدة المسجد من مكانها، و ورد أنها بعد استشهادها و تغسيلها و تكفينها أخرجت يداها من كفنها و ضمّت الحسنان إلى صدرها، ثم أنّت من أعماق قلبها.