فرحنا مع العير التي راح ركبها * * * شآم الهوى و الأصل غير شآم
فلمّا هبطنا أرض بصرى تشرفوا * * * لنا فوق دور ينظرون جسام
فجاء بحيرا الناقي محاشدا * * * لنا بشراب عنده و طعام
و قال اجمعوا أصحابكم لطعامنا * * * فقلنا جمعنا القوم غير غلام
يتيم فقال ادعوه إن طعامنا * * * كثير عليه اليوم غير حرام
فلمّا رآه مقبلا فوق رأسه * * * يوقيه حر الشمس ظل غمام
حنى ظهره شبه السجود و ضمه * * * إلى نحره و الصدر أي ضمام
و أقبل ركب يطلبون الذي رأى * * * بحيرا برأي العين وسط خيام
فثار إليهم خشية لعرامهم * * * و كانوا ذوي حقد معا و عرام
دريس و تمام و قد كان فيهم * * * زبير و كل القوم غير نيام
فجاءوا و قد همّوا بقتل محمد * * * فردهم عنه بحسن خصام
بتأويله التوراة حتى تيقنوا * * * و قال لهم ما أنتم بطغام
فذلك من أعلامه و بيانه * * * و ليس نهار مبصر كظلام [1]
و قال أبو طالب في ذلك أيضا:
بكى جزعا لمّا ارتحلنا محمد * * * كأن لا يراني راجعا بالمعاد
فبتّ يجافيني تهلل دمعه * * * و عبرته عن مضجعي و وسادي
فرح رائحا في الراجعين مشيعا * * * لذي رحم في القوم غير معاد
فقلت له قرب فتورك و ارتحل * * * و لا تخش مني جفوة ببداد
و خل زمام العيس و ارحل بنا معا * * * على عزمة من أمرنا و رشاد
فرجعنا مع العير التي راح ركبها * * * يؤمون من عرار أرض إياد
فما رجعوا حتى رأوا من محمد * * * أحاديث تجلوا غمّ كل فؤاد
[1]- تاريخ دمشق: 3/ 14، سبل الهدى: 2/ 143.