و تكلم يوما مع شوذب الخارجي فذكر ظلم سلفه، فقال له شوذب: فلم لا تلعنهم و تبرأ منهم؟
فقال له: فمتى عهدك أنت تلعن فرعون و البراءة منه؟
قال شوذب: لا عهد لي بذلك.
قال: أ يسعك ترك ذلك من فرعون و لا يسعني تركه من قومي [1]؟
فرأى أنه جاء بحجة و هذه غاية الجهل بالمناظرة، و شوذب لم يتوسل بفرعون إلى شيء هو في يديه و لا تولاه كما تولّى هذا قومه، و حاز ما اغتصبوه من بعدهم و جلس مجلسهم، و شهادته بالظلم عليهم و هو يتوالاهم و يركن إليهم، شهادة لنفسه بالنار و لهم باللعنة، لأن اللّه يقول: أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ[2] و قال: وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ[3].
و قد قيل: إن سيرة عمر بن عبد العزيز إنما حمدت و ذكرت بخير، لما كانت ولايته بعقب ولاة قد بدّلوا أكثر شرائع الدين و سنن الإسلام، و كان الناس معهم من الجور و الظلم و التهاون بحرمات الدين في شيء صغر في جنب ما عاينوه منه، فوصفوه بالورع و النسك.
قالوا: و كيف يكون كذلك من جلد خبيب بن عبد اللّه بن الزبير مائة سوط في يوم بارد ثم صبّ عليه جرة ماء بارد حتى كزّ فمات، فما ودّاه و لا استغفر وليّه من دمه، و ما كان خبيب ممّن لزمه ذلك، و لو لزمه الضرب فكيف يعذّب بمثل هذا العذاب
[1]- الامامة و السياسة: 2/ 135، تاريخ اليعقوبي: 2/ 307، شرح نهج البلاغة: 15/ 255 و 16/ 278.