فقال: سل أمك تخبرك. فأتاها فسألها، فقالت: أنت أكرم منهم نفسا و والدا و نسبا، أنت ابن كلاب بن مرة، و قومك آل اللّه في حرمه و عند بيته.
فكره قصي المقام دون مكة و أحب اللحوق بها، فقالت له أمه: أي بني، إني أخاف عليك، و لكن أقم حتى يجيء الشهر الحرام فتخرج في حجاج قضاعة، ففعل، فلمّا صار إلى مكة أقام بها، و نشأ على الشرف و السؤدد و مكارم الأخلاق، و كان رجلا جلدا نهدا حليما عاقلا وقورا عفيفا كريما، قد فضّله اللّه بأبوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و جعل النبوة في ذريته، فأكمل له خصال الخير و الشرف، و خطب قصي إلى حليل بن حبشة بن سلول الخزاعي ابنته حبى بنت حليل، و كان حليل يومئذ يلي الكعبة و أمر مكة، فعرف حليل قدره و نسبه، فزوجه فولدت منه عبد الدار و عبد مناف و عبد العزى و عبدا بني قصي [1] و كانوا سادة و أشرافا، و كان عبد مناف أفضلهم، لما اختصه اللّه به من أبوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و جعل النبوة في ذريته، و قد ذكرنا شرفه، و لبني قصي يقول الحرث بن ظالم:
إذا فارقت ثعلبة بن سعد * * * و إخوتهم نسبت إلى لؤي
إلى نسب كريم غير و غل * * * و حيّهم أكارم كل حي
فلن يعصب بهم نسبي * * * فمنهم قرابين الإله بنو قصي [2]
فقيل: جعلهم قرابين الإله يتقرب إلى اللّه بهم، لأنهم قطين البيت و سكان الحرم و أهل اللّه و حجّاب بيته و أهل السقاية و الرفادة و السيادة و الرئاسة و اللواء و الندوة و مكارم مكة، و كانوا على إرث من دين أبويهم إبراهيم و إسماعيل عليهم السّلام من قرى الضيوف و رفد الحاج و المعتمر و تعظيم الحرم و منعه من الظلم و الإلحاد فيه و قمع الظالم و منح المظلوم.