يخرجوا من حرب أصحاب الجمل حتى دخلوا في حرب صفين، و لا انصرفوا عن حرب معاوية حتى وقعوا في حرب الخوارج، و كانوا من أهل البصائر فيهم، فزال منهم صدر بزوالهم.
و أصحاب معاوية على خلاف ذلك، بالقرب من دارهم في حال راحتهم و جمامهم، و الامداد تأتيهم، و أهل الطمع في حطام الدنيا و الركون إليها يزيدون إليهم.
و ممّا قوّى عزائمهم و زاد عندهم في بصائرهم و حقق ما شبّه به معاوية عليهم، ما كان من أصحاب علي عليه السّلام إليهم في أول يوم واقفوهم فيه، و ذلك ممّا قدّمنا ذكره من حدّة أصحاب علي عليه السّلام و إقدامهم و استقباحهم الآراء دون إمامهم، من أن أصحاب معاوية نادوهم بما تصافوا و تواقفوا: ادفعوا إلينا قتلة عثمان و نحن لكم سلم، فلم يدعوا الجواب إلى إمامهم فيجيبهم بما تقوم الحجة في ذلك عليهم، و لعل ذلك لو كان لكسر من عزمهم و أبصر الحق كثير منهم، لكنهم نادوهم بأجمعهم في الوقت استخفافا بهم و استهانة بجوابهم: كلّنا قتلة عثمان، فرأى القوم أنه قد حلّ لهم قتالهم و قتلهم، لما زيّنه معاوية و أصحابه لهم [1].
و ذكرنا فيما تقدم فساد قول معاوية في الطلب بدم عثمان، و الواجب في الطلب بذلك لو قد كان.
فبهذه الأسباب و غيرها قويت أمور معاوية و تهيأ له أن قاوم عليا عليه السّلام و ناصبه، و ادّعى الأمر معه و حاربه، و إلّا فمن أين كانت الأذهان تقع على ذلك و العقول تقبله و الأوهام يتوهمه، و بينهما الارتفاع و الخفض كمثل ما بين السماء و الأرض.
[1]- أنساب الأشراف: 279، الأخبار الطوال: 163، شرح نهج البلاغة: 15/ 75، البداية و النهاية: 7/ 288.