فسكت معاوية، فقام عمرو و قال: يا معاوية لا يسرّك من يغرّك.
فقال معاوية: اجلس يا أبا عبد اللّه فأنت كما قال الأول:
مهما تسرك من تميم خصلة * * * فلما يسؤك من تميم أكثر
و ترك الرجل حتى إذا انصرف من كان في مجلسه من أهل الشام و لم يبق إلّا عمرو قال للرجل: ويحك، أمّا قولك: أن عليا عي، فو اللّه لو لم يكن بهذه الأمة غير لسان علي لكفاها، و أما قولك: إنه بخيل، فلو أن لعلي بيتين، بيتا من تبن و بيتا من تبر، لأنفق تبره قبل تبنه، و أمّا قولك: إنه جبان، فهل بلغك أنه ما بارز أحدا إلّا قتله، أ فإلي تتقرب بالكذب؟
قال الرجل: فإذا كان كما وصفته فلم قاتلته؟
فأخذ عمرو يد معاوية و قال: على هذا الخاتم الذي من غلب عليه جازت طينته [1].
و هذا يشبه قول معاوية لأهل العراق و قد ذكرناه: إنما قاتلتكم لأتأمّر عليكم و قد تأمرت.
و صدق في ذلك و صدق عمرو، أرادا الدنيا فمتعا فيها حتى حين، و معاوية لم يدّع فضلا على علي عليه السّلام و لا ساوى نفسه به، فكيف يدّعي ذلك له غيره أو يساوي بينه و بينه؟
و إنما تهيأ له ما تهيأ من مناصبة ما ذكرناه من حيله و مكره، و بأمور تهيأت له سنذكر ما ينبغي ذكره منها في الباب الذي يلي هذا الباب إن شاء اللّه تعالى.
[1]- الامامة و السياسة: 1/ 135، شرح نهج البلاغة: 1/ 22.