و قال معاوية: إنك بلغت من كرامتنا ما لم يبلغ أحد لأحد قبلك من أهل بيته، و وليتنا الآفاق و استعملتنا على الأعمال، و جعلتنا على رقاب الناس، فخذ كل إنسان منّا بما قبله فليكفيكه، خذني بأهل الشام فإني جاعلهم لك أرضا تطأها.
و قال عبد اللّه بن عامر: إن الناس لم ينقموا عليك في صلواتهم و لا صيامهم و لا زكاتهم و لا حجّهم، و إنما نقموا عليك فيما بذلت من الدنيا لمن بذلت في ذلك به، فابذل المال لوجوههم و رؤسائهم و اخض [1] في عامتهم يرضوا عنك و عوّل على ما أحببت.
و قال عبد اللّه بن أبي سرح: قد مضى قبلك رجلان عملا عملا رضى به الناس، فاعمل عملهما يرضى الناس عنك كما رضوا عنهما.
و قال عمرو بن العاص: أنت يا أمير المؤمنين حملت الناس على ما أنكرت، و وليت فولوا فضلك فضلّوا، فاتق اللّه و اعدل و إلّا فدعهم و اعتزل.
فنظر إليه عثمان و تنكّر له و قال: يا ابن النابغة ما كان هذا قولك بمصر، و لكن قلّ فرؤك فوغر صدرك، و ما زلت غاصا بريقك مذ عزلتك عن مصر.
قال: لعمري ما هو كذلك، و لكنه رأيي و رأي جميع من وراء بابك، و استشرت فنصحتك و صدقتك.
ثم خلا عثمان بعمرو فقال: ويحك يا ابن العاص أ بجدّ منك ما سمعت؟
فأثنى عمرو و قال: لا و اللّه ما هذا بالجد، و لكني علمت أنه سيحدّث عن قولنا، فأردت أن يعلم الناس منّي ما قلت، و يرجعوا إليّ و يسمعوا قولي، فان أغنيت عنك أغنيت و إلّا صرف عنك ما استطعت.
فقبل منه و رضى عنه و أخذ برأي معاوية و أمر العمال به و ردّهم إلى أعمالهم، فعوجل دون ما دبّره.