و هو كان شيطان معاوية، و به قوى أمره، و بحيلته اشتدّ مكره.
و سمع ابن عباس حديث عبد اللّه بن عمرو هذا فقال: فأين كان عبد اللّه عن هذا الحديث حين قاتل عليا عليه السّلام مع معاوية لعنه اللّه.
و كان لعبد اللّه عند نفسه لا عند غيره في ذلك عذر لم يعلمه ابن عباس، و ذلك أنه قيل: كان يوما جالسا مع قوم إذ مرّ بهم الحسين بن علي عليه السّلام فقال عبد اللّه بن عمرو: أما و اللّه إنه لأحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء، و ما كلمني كلمة من أيام صفين، و لو كلمني و رضى عني لكان أحبّ إليّ من حمر النعم.
و أرسل إليه بعد ذلك من ترضّاه و أخبره بما قال فيه، و سأله أن يأذن له، فأذن له و دخل عليه فقال له الحسين صلوات اللّه عليه: «تعلم أني أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء و قد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة و أبوهما خير منهما، ثم تقاتله؟».
فقال: و اللّه يا ابن رسول اللّه ما حملني على ذلك إلّا قول قاله لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله شكاني إليه عمرو في شيء و قال: هو يصوم النهار و يقوم الليل و قد أمرته أن يرفق بنفسه فعصاني.
فقال لي: «أطع أباك».
فلمّا صار إلى معاوية أمرني بالسير معه فأطعته كما أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
فقال له الحسين: «أو لم تسمع قول اللّه عزّ و جلّ في كتابه و قد أمر ببر الوالدين ثم قال: وَ إِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما[1] و قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنما الطاعة في المعروف».