قالوا: و ما عسى أن تغني عنّا دارك و كم عسى أن تسع؟
قال: و من دخل المسجد الحرام فهو آمن.
قالوا: كيف نفارق نساءنا و أموالنا؟
قال: و من أغلق على نفسه باب داره فهو آمن.
فتفرق الناس إلى دورهم، و دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مكة و انتصب بعض قريش في ناحية من مكة، فلقيهم خالد بن الوليد بمن معه من المسلمين فقتلوا منهم بضعة عشر نفسا، و افترق الباقون و هرب كل من كان يعلم أنه قد وتر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و استخفى بعضهم، فأمّا عمرو بن العاص فكان قد هرب قبل ذلك في رجال من قريش إلى أرض الحبشة.
و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد أمر أمراء جنوده: ألّا يقتلوا أحدا بمكة إلّا من قاتلهم، و أمر بقتل رجال سمّاهم لهم منهم: عبد اللّه بن سعيد بن أبي سرح، و كان قد أسلم و هاجر، و كتب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الوحي ثم ارتد مشركا فهرب و لحق بمكة و قال: قد أنزلت قرآنا، و ذلك أنه كان يملي عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: عزيز حكيم، فيكتب عليم قدير و عزيز حكيم، فيقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: هو كذلك.
و في عبد اللّه بن سعيد أنزل اللّه عزّ و جلّ: وَ مَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ[1] ففر إلى عثمان بن عفان فآواه و قد هدر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دمه، و كان أخا عثمان من الرضاعة [2]، فلمّا سكن أمر الناس دخل به على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سأله فيه.
[2]- و ولاه عثمان في زمانه على مصر سنة خمس و عشرين و فتح افريقية فأعطاه عثمان جميع ما أفاء اللّه على المسلمين من فتح افريقية بالمغرب، و أكمل صحيفته السوداء بالتحاقه معاوية في صفين.