إلى المدينة و اتبعه المؤمنون به، و كان من تأييد اللّه عزّ و جلّ له و نصره إياه أن أمكنه ممّن عاداه و أظفره بهم، فقتل منهم من قتل و أسر و من أسر و منّ على من منّ عليه، و اعتصم منهم بالإسلام منه من جعله جنة له و تحصينا لمهجته، إلى أن أمكنته الفرصة بعده صلّى اللّه عليه و آله فاهتبلها [1] و أصاب العزة فاغتنمها، و نشأ على ذلك من الطعن و الحقد الأخلاف بعد الأسلاف، فطالبوا بالدخول [2] و اعتقدوا بغضة آل الرسول و طالبوهم بثأر من قتل منهم على الكفر من آبائهم و عشائرهم، و سنذكر ما يحسن بهذا الكتاب ذكره من أخبارهم إن شاء اللّه.
و قيل: إن أبا طالب لمّا حضره الأمر أتاه أبو سفيان بن حرب بن أمية و عتبة و شيبة ابنا ربيعة و أبو جهل بن هشام و أمية بن خلف، في رجال من بني عبد شمس و بني أمية و لفيفها من قريش فقالوا له: يا أبا طالب إنك منّا حيث قد علمت و حضرك من الأمر ما ترى و تخوفنا عليك، و قد علمت الذي بيننا و بين ابن أخيك، فدعه إليك و خذ له منّا و خذ لنا منه، ليكف عنّا و نكف عنه.
فأرسل أبو طالب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأتاه و أخبره بمقالتهم فقال: «نعم، كلمة واحدة يعطونها يملكون بها العرب و تدين لهم بها العجم».
فقالوا: نعم و أبيك و عشر كلمات.
قال: «تقولون لا إله إلّا اللّه و تخلعون ما تعبدون من دونه».
فقالوا و صفقوا بأيديهم: يريد محمد أن يجعل الآلهة إلها واحدا، أ ليس هذا من العجائب!
فأنزل اللّه عزّ و جلّ في ذلك من القرآن الآيات: أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا
[1]- اهتبلها: أي اغتنمها، و الاهتبال: الاغتنام و الاحتيال و الاقتصاص. لسان العرب: 11/ 687.
[2]- الذحل: الثأر، أي طلبوا ثأرهم. لسان العرب: 11/ 256.