فقال بطارقته لمّا أتياهم به من الهدايا: صدقا أيها الملك، قومهم أعلم بهم فارددهم إليهم.
و قد كان أبو طالب بعث مع من توجه إلى الحبشة بابنه جعفر، و كتب إلى النجاشي معه كتابا يعرّفه فيه ما كان من أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله و قيام عبد شمس و من والاها من قريش عليه، و ما نالوه ممّن اتبعه، و أنهم قد تحرموا به و استجاروا بملكه، و يسأله حياطتهم و حفظهم، و قال فيما كتب به إليه:
تعلم أخير الناس أن محمدا * * * وزيرا لموسى و المسيح ابن مريم
أتى بالهدى مثل الذي أتيا به * * * فكان بأمر اللّه يهدي و يعصم
و أنكم تتلونه في كتابكم * * * بصدق حديث لا حديث الترجم
و أنك ما تأتيك منّا عصابة * * * لفضلك إلّا أن جفوا بالتكرم
و لا تجعلوا للّه ندّا و سلموا * * * فإن طريق الحق ليس بمظلم
و كان جعفر عليه السّلام قد أوصل كتاب أبيه إليه فوقع إليه منه وقعا، و كان سبب ما نالهم من برّه و حسن نزله، فلمّا قال عمارة بن الوليد و عمرو بن العاص ما قالاه للنجاشي و أعانهما البطارقة، و أشاروا على النجاشي برد من جاء إليه من المسلمين، غضب النجاشي و قال: و اللّه ما كنت بالذي أسلّم قوما قصدوا إلي و نزلوا ببلادي و اختاروني على من سواي، و أحضرهم فسألهم عن الذي أتاهم به محمد صلّى اللّه عليه و آله فذكروا ما كانوا عليه من عبادة الأصنام و أمر الجاهلية، و ما أتاهم به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من الحق و عبادة اللّه و ما نالهم من قومهم على القبول منه.
فقال النجاشي لجعفر عليه السّلام: هل معك ممّا جاء به ابن عمك شيئا؟
قال: نعم أيها الملك، و قرأ عليه صدرا من سورة كهيعص، فبكى النجاشي حتى اخضلت لحيته و بكت أساقفته حتى اخضلت مصاحفهم.
فقال النجاشي: إن هذا و الذي جاء به عيسى روح اللّه عليه السّلام يخرج من مشكاة واحد.