و ثمة قرينة أخرى تدل على تركه المدينة قبل أن يكتهل، و ذلك حين نرى أن رواته من أهل البلدان أكثر من رواته من أهل المدينة لم يرو عنه منهم غير إبراهيم ابن سعد [2].
و يذكر ابن سيد الناس أن من أهم أسباب ترك ابن إسحاق للمدينة، عداوة هشام بن عروة و مالك بن أنس له [3].
فأما هشام بن عروة فإنه كره ابن إسحاق لما رواه فى كتابه عن زوجة أبيه عروة.
و ليست الرواية عن النساء من غير نظر إليهن مما يجرّح به الإنسان، كما يذكر ابن حجر [4].
و أما مالك بن أنس- حسبما يرى الأستاذ جيوم- فقد هاجم محمد ابن إسحاق من أجل الأحكام الشرعية التي أوردها فى كتابه «السنن» الذي لم يصل إلينا [5].
و من المحتمل أن مالكا كان يعترض على ابن إسحاق لرميه بالقدر [6].
و لعل السبب الأقوى فى عداوة مالك بن أنس لابن إسحاق كما يقول ابن سيد الناس، هو: تتبعه غزوات النبي ( صلّى اللّه عليه و سلم )من أولاد اليهود الذين أسلموا و حفظوا قصة خيبر، و قريظة، و النضير، و ما أشبه ذلك من الغرائب عن أسلافهم [7].
و قد وصلت إلينا سيرة ابن إسحاق بطرق عدة، أشهرها رواية ابن هاشم عن البكائى. و من أهمها رواية ابن بكير، التي لم تصل إلينا كاملة و لكننا نجد قطعا كثيرة منها عند ابن سعد، و ابن الأثير، و ابن كثير، و أخيرا وجدت قطعة منها