و قد عرّفه صاحب «الكفاية» قده بأنّه «نحو اختصاص اللفظ بالمعنى و ارتباط خاصّ بينهما ناش من تخصيصه به تارة و من كثرة استعماله فيه أخرى، و بهذا المعنى صحّ تقسيمه إلى التعيينيّ و التعيّنيّ كما لا يخفى».
و هذا النحو من الارتباط يوجب أن يصير اللفظ فانيا في المعنى بحيث لا يري عند إلقائه إلى المخاطب إلّا المعنى كالمرآة الّتي لا يري فيها إلّا المرئىّ، و أن يسري الحسن و القبح من المعنى إلى اللفظ و يؤثّر فيه. و التخصيص به لا يحتاج إلى إنشاء الوضع دائما، بل يكون بذلك تارة و بالاستعمال بداعي الجعل أخرى، بأن يقول مثلا: «ايتنى بأحمد» قاصدا من هذا الاستعمال وضعه له.
و قال النهاوندي قده في «تشريح الاصول»: إنّه عبارة عن تعهّد الواضع و التزامه بإرادة المعنى من اللفظ في استعمالاته للّفظ بلا قرينة. و تبعه في ذلك في «الدرر».
و يرد عليه أوّلا: أنّ الواضع إنما تعهّد علي نفسه و التزم بذلك، و ذلك لا يوجب تعهّدا علي الغير فكيف يكون حال اللفظ في استعمالات غيره؟!
و ثانيا: انّ ذلك لا يعقل في الألفاظ الّتي لا تقع مورد استعمال الواضع و لا يحتاج اليه، لأنّه بعد العلم بعدم افتقاره إليه و أنّه لا يستعمله أصلا كيف يتعهّد بذلك؟!
و ثالثا: أنّه لا يتمّ في الوضع التخصّصي، فانّه ليس هناك واضع يتعهّد بذلك.
و قال جمع آخر: هو عبارة عن جعل اللفظ علامة علي إرادة المعنى الفلانيّ.
و هو أيضا لا يناسب سراية الحسن و القبح من المعنى إلى اللفظ كما لا يري ذلك في سائر العلامات، و إن كان يمكن توجيهه في الوضع التخصّصي بأنّه انجعال للّفظ علامة، كما يري ذلك في العلامات الّتي يجعل علي رأس الفواصل و الفراسخ، فإنّه قد يجعله أحد متعهّدا و قد يكون الحجر بنفسه علي رأس الفرسخ فيحسب علامة له.