وقد برزت في عصرنا نظرية جديدة جلبت نحوها أنظاراً كثيرة ، وقد اشتهرت بالمادية التاريخية ، أو المادية الديالكتيكية التاريخية ، المادية التاريخية بمعنى التفسير الاقتصادي للتاريخ ، والتفسير الاقتصادي والتاريخي للإنسان ، من دون تفسير إنساني للاقتصاد والتاريخ .
وبعبارة أُخرى المادية التاريخية بمعنى : أنّ ماهية التاريخ مادية ووجوده ديالكتيكي . أمّا أنّ ماهيته مادية فمعناه أنّ أساس كل الحركات والنشاطات والمظاهر والتجليات التاريخية في كل مجتمع هو النظام الاقتصادي لذالك المجتمع ، أي أنّ القوى المنتجة للمجتمع وعلاقات الإنتاج ، وعلى وجه العموم الإنتاج وعلاقاته هي التي تشكّل جميع المظاهر المعنوية الاجتماعية من الأخلاق والعلم والفلسفة والدين والقانون والثقافة ، وتعيّن وجهتها ، وتغيّرها إذا تغيّرت وجهتها .
وأمّا أنّ وجود التاريخ الديالكتيكي فالمراد أنّ الحركات التطوّرية للتاريخ حركات ديالكتيكية ، أي معلولة لمجموعة من التناقضات الديالكتيكية المجتمعة ، مع الترابط الخاص بينهما . التناقض الديالكتيكي ـ الذي يفترق عن غير الديالكتيكي ـ هو أنّ كل ظاهرة تربّي في باطنها بالضرورة نفي نفسها وإنكاره . وبعد سلسلة من التغيّرات نتيجة لهذا التناقض الداخلي تتكامل تلك الظاهرة ضمن تغيّر شديد كيفي ، وتنقل إلى مرحلة أعلى مركّبة من المرحلتين السابقتين .
إذن فالمادية التاريخية تتضمّن أمرين : أحدهما : أنّ هوية التاريخ مادية ، والآخر : أنّ حركاته ديالكتيكية . ونحن هنا نبحث عن الأمر الأول ، ونترك الآخر للفصل الآتي حول تطوّر التاريخ وتكامله .
ثم إنّ نظرية المادية التاريخية لها أُصول فلسفية ونفسية واجتماعية .