لمَّا آلت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز ، أخذت الوفود تتقاطر عليه مِن أنحاء البلاد لتهنئته ... وكان مِن تلك الوفود وفد الحِجاز . وكان في ذلك الوفد صبيٌّ صغير ، قام في مجلس الخليفة ليتكلَّم ، فقال له الخليفة : ليتكلَّم مَن هو أكبر مِنك سِنَّاً .
فقال الطفل : أيُّها الخليفة ، إنْ كان المقياس للكفاءة كِبَر السِّنِّ ؛ ففي مجلسك مَن هو أحَقُّ بالخلافة مِنك .
تعجَّب عمر بن عبد العزيز مِن هذا الكلام ، ثمَّ أذِنَ له بالكلام ، فقال :
لقد قصدناك مِن بلدٍ بعيد ، وليس مَجيئنا لطمع فيك ، أو خوف مِنك ... لأنَّنا مُتنعِّمون بعدلك ، ومُستقرُّون في بيوتنا بأمن واطمئنان ... ولا نخاف منك ؛ لأنَّنا نجد أنفسنا في أمن مِن ظلمك ، وإنَّ مجيئنا إليك إنَّما هو لغرض التقدير والشكر .
فقال له عمر بن عبد العزيز : عِظْني .
قال الصبي : لقد أُصيب بعضٌ بالغرور ؛ لنعم الله عليهم ، وأُصيب آخرون بذلك ؛ لمدح الناس إيَّاهم ؛ فاحذر مِن أنْ يبعث هذان الأمران الغُرور فيك ؛ فتنحرف في تدبير شؤون الدولة .
سُرَّ عمر بن عبد العزيز لهذا الكلام كثيراً ، وسأل عن عمر الصبي .