بن الهيثم مِن أشهر عُلماء القَرن الرابع الهجري ، اختصَّ بالهندسة والرياضيَّات ، وكان له إلمام بالعلوم العقليَّة والفلسفيَّة ، وقد خلَّف مؤلَّفات ورسائل عديدة . كان يعيش في البصرة ، ولكنَّ صدى شُهرته كان قد عمَّ الأرجاء ، وكان حديث المحافل العلميَّة في كلِّ مكان .
كان حاكم مصر يومئذ رجلاً مُتعلِّماً ومُحبَّاً للعلوم ، وكان يودُّ لو يجتمع بابن الهيثم عن قُرب ليستفيد مِن علمه . ولكنَّه لم يُوفَّق لذلك ، وسمع يوماً أنَّ ابن الهيثم قال : لو كنت في مصر لبنيت سدَّاً على النيل لمنع إضراره بالناس عند طُغيانه ونقصانه ، ففرح حاكم مصر بذلك وازداد تلهفُّاً لرؤية ابن الهيثم ، فأرسل له سِرَّاً مصاريف سفره ورغَّب إليه أنْ يُسافر إلى مصر .
رحل ابن الهيثم مِن البصرة إلى مصر ، وعند وصوله استقبله الحاكم خارج المدينة وأنزله بكلِّ احترام في الدار التي خصَّصها لسُكناه ، وبعد بِضعة أيَّام مِن الاستراحة مِن وَعْثاء السفر جاء الحاكم لزيارته وذكَّره بوعده ببناء سَدٍّ على نهر النيل ، فأعرب ابن الهيثم عن استعداده للوفاء بوعده ، فتُقرِّر يوم مُعيَّن للسفر إلى حيث توجَد منطقة شلاَّل مُرتفع تصلح لإقامة السَّدِّ فيه .
وحلَّ اليوم الموعود وتوجَّه ابن الهيثم مع الحاكم ، وعدد مِن المعمارين والعمَّال المَهرة ، وجعلوا طريقهم على الأهرامات العجيبة والآثار العظيمة ، التي شيَّدها المصريُّون القُدامى وفق حسابات هندسيَّة دقيقة ، لكي يشهدها ابن الهيثم الذي بُهت لما رآه مِن الأعمال المُدهشة الرائعة ، فاستقلَّ علمه وضعف أمله في استطاعته بناء سَدٍّ على النيل ؛ إذ لو كان هذا مُمكناً عمليَّاً لما توانى عنه العلماء والمُهندسون المصريُّون في قديم الزمان . وعند وصولهم إلى حيث شلاَّل الماء في النيل راح