كان الأصمعي مِن شُعراء العصر العباسي المشهورين ، وكان أيضاً مُقتدراً وذو استعداد في قصصه المُضحكة والمزاح . وكان يُلقي القصائد في مجالس رجال الدولة ، وأحياناً يحكي القصص الفكاهيَّة فيُضحك الحاضرين .
في أحد الأيَّام قال جعفر البرمكي رئيس وزراء هارون الرشيد لأحد خُدَّامه : اجلب لي ألف دينار ، أُريد أنْ أذهب إلى منزل الأصمعي ، فإذا حكى لي قصَّة وأضحكني سأضع كيس الذهب في حاشية قميصه .
دخل جعفر البرمكي ومعه أنس بن شيخ بيت الأصمعي ، حيث حكى الأصمعي قَصصاً مُختلفة وكانت ، كلُّ قصَّة تحكي جانباً مِن الحياة .
وبعد الخروج مِن البيت قال أنس لجعفر : لقد سعى الأصمعي لإضحاكك ولكنْ لم تضحك فلم يكن هدفك ذلك (إعطاء كيس الذهب للأصمعي) ، قال جعفر : أُفٍّ لك ! أرسلت له خمسمائة درهم قبل وصولنا إلى بيته لتهيئة الطعام ، ولكنَّك شاهدته كيف وضع جرَّة ماء مسكورة وبرقع ، وفرش سجَّادة قذرة .
حيث لاحظت وجود النعمة والإحسان والمدح على لسانه ، ولكن لم أُلاحِظ ظهور الإحسان شكراً للنعمة ، فلماذا نُعطيه المال ؟
على الرغم مِن أنَّ الأصمعي كان مُوسراً ، إلاَّ أنَّه أظهر نفسه وكأنَّه مِن أفقر الفُقراء . فهل كان هدفه مِن ذلك هو أنْ يَظهر بمظهر الزاهد الراغب عن الدنيا ليُلفت انتباه الآخرين إلى صلاحه وتقواه ؟ أم أنَّ أنَّه كان يُريد أنْ يبدو في نظر القادمين فقيراً مسكيناً ؛ لكي ينال شيئاً مِن عطاءاتهم السخيَّة ، أمْ كان هناك ثَمَّة هدف آخر حمله على أنْ يفعل ما فعل ؟
على كلِّ حال كان انطباع البرمكي عن الوضع الداخلي للأصمعي ومعيشته