في حرب اليرموك كان عدد مِن الجنود المسلمين يتقدَّمون إلى ميدان المُبارزة ، وبعد بِضع ساعات مِن مُجالدة العدوِّ ، يُقتل بعضهم ، ويعود بعضهم سالمين أو مجروحين ، ويبقى آخرون مُثقلين بالجراح مطروحين على أرض المعركة .
عن حذيفة العدوي أنَّه قال : انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عمٍّ لي بين القتلى ومعي شيء مِن الماء ، وأنا أقول : إنْ كان به رمق سقيته ، فإذا أنا به بين القتلى ، فقلت : أسقيك ؟
فأشار إليَّ أنْ : نعم .
فإذا برجل يقول : آه ! فأشار إليَّ ابن عَمِّي أنْ : انطلق إليه واسقِه ، فإذا هو هشام بن العاص .
فقلت : أسقيك ؟
فأشار إليَّ أنْ : نعم ، فسمع آخر يقول : آه ! فأشار إليَّ أنْ : انطلق إليه .
فجئته فإذا هو قد مات . فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات ، فرجعت إلى ابن عمِّي فإذا هو قد مات .
لم يكُن شرب الماء أو عدم شربه ذا تأثير في حياة هؤلاء الجنود الثلاثة وموتهم ؛ لأنَّ جراحهم كانت عميقة ، والدماء التي نزفت منهم كانت قد اقتربت بهم مِن الموت ، ولم يكُن ثَمَّة أملٍ في بقائهم أحياءً .
ولكنَّ العِبرة اللافتة للانتباه في هذه الحكاية التاريخيَّة والجديرة بالتمجيد ، هي الأخلاق الكريمة التي تحلَّى بها هذان الجُنديَّان المسلمان في إيثار غيرهما بشرب الماء ، على الرَّغم مِن عطشهما ونزف الدَّم منهما ، فعاشا حتَّى آخر لحظات حياتهما إنسانين ، وفارقا الدنيا وهما مِثالان لخُلق الإنسان الكريم [1] .