كان عبد الملك بن مروان يعيش حياة هانئة في شبابه ، وكان رحيماً وشفوقاً يعطف على الناس ، ولا يُحاول إيذاءهم ، ولا يتحدَّث عن أحد بشَرٍّ .
أيْ : كانت رغباته النفسيَّة ، وميوله الغريزيَّة مخفيَّة ؛ وذلك لعدم وجود مجال لظهوره ... ولم يكن يتصوَّر أنْ سيُمسك بزمام الحُكم في الدولة الإسلاميَّة الواسعة ، ويتصرَّف في مُقدَّرات ملايين المسلمين في يوم مِن الأيَّام .
ومَرَّت الأيَّام بالتدرُّج ، حتَّى ظهرت الأوضاع والتحوُّلات المُفاجئة ، التي أدارت سير الزمن لصالحه ، فقد ترَّبع أبوه ـ الذي كان والياً في يوم ما على المدينة ثمَّ عُزل مِن ولايته عليها ـ على دفَّة الخلافة ، على أثر للتطوُّرات السياسيَّة المعروفة ، ونصَّب عبد الملك ذلك الشابَّ العطوف ولياً للعهد ...
ولم تمضِ أشهُر قليلة ، حتى دَسَّ السُّمَّ إلى مروان ومات ، فجلس عبد الملك على كرسيِّ الخلافة بعده ... وهنا استيقظت ميوله وشهواته ، ووجدت لها مجالاً واسعاً للتحقُّق والتطبيق .
لقد كان الوجدان يحكُم إلى الأمس القريب ، في سلوك عبد الملك دون مُعارض أو مُعاند ؛ ولذلك كان يجتنَّب الظلم والأفعال اللاَّ إنسانيَّة .
أمَّا اليوم فقد استيقظت غرائزه ، وتعالت ألسنة نيرانها ، حتَّى اضطرَّ وجدانه إلى الانسحاب والاندحار أمام تلك الأوضاع ، وكأنْ لم يكُن في باطن عبد الملك وجدان أصلاً ! فقد ولغ هو وولاته في دماء الناس ، في أرجاء البلاد الإسلاميَّة ، وارتكبوا الجرائم الفظيعة ، التي لا حَدَّ لها ولا حَصر .
يذكر لنا المؤرِّخون : أنَّه لمَّا أرسل يزيد جيشاً إلى مَكَّة ، لقتل عبد الله بن الزبير ، كان