قبل أنْ يُهاجر الرسول الكريم مِن مَكَّة ، كان ضغط المُشركين الشديد على المسلمين قد جعل حياتهم مُرَّة لا تُطاق . فهاجر فريق منهم بموافقة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)إلى الحبشة لاجئين ؛ لكي يأمنوا بعض الوقت مِن كلِّ ذاك الضغط وتلك الشِّدَّة .
فبعث المُشركون بعمارة بن الوليد ، وعمرو بن العاص إلى الحبشة ، مُحمَّلين بهدايا كثيرة لكي يُعيدوا المُهاجرين إلى مَكَّة فيستأنفوا تعذيبهم .
وصل الرجلان إلى الحبشة ووزَّعا الهدايا على حاشية المَلك ، كما قدَّما للملك هدية تُليق به ، وطلبا منه أنْ يأمر اللاجئين بالعودة إلى بلادهم .
كان النجاشي ـ ملك الحبشة ـ رجلاً حكيماً ، فرفض تسليم المُهاجرين إلى المُشركين قبل أنْ يُحقِّق في أمرهم قائلاً : إنَّهم قد قصدوني مِن دون الآخرين . فلا بُدَّ أنْ أُقابلهم بنفسي ، وأستمع إلى ما يقولون ، وأتعرَّف على طِراز تفكيرهم ، ومِن ثمَّ أُقرِّر ما أرى .
وأمر بالمُهاجرين فأحضروا بين يديه .
كان الارتماء على الأرض والسجود يُعتبَر غاية الخضوع والانكسار أمام الملك . غير أنَّ مدرسة الإسلام كانت قد علَّمت أتباعها في كلمة التوحيد درس العِزَّة والكرامة ، وأفهمتهم أنَّ السجود لا يكون إلاَّ في حضرة الله تعالى ، الذي هو خالق العالم ومالك كلِّ شيء في عالم الوجود ، وأنَّ الإنسان المسلم ليس له أنْ يسجد لغير الله ، ولا أنْ يُساوم على جوهرة الإيمان الثمينة وعِزَّة نفسه مَهْما تكُن الظروف .