لقد أحدثت كلمات الرسول (صلى الله عليه وآله) وخُطبه المؤثِّرة في بدايات الدعوة تحوُّلاً روحيَّاً عظيماً في جيل الشباب ، ولمَّا كان الشباب بفطرتهم ثوريِّين ويرغبون في التجدُّد والحداثة ، التفُّوا حول الرسول (صلى الله عليه وآله) مُعلنين انضواءهم تحت راية الإسلام ، فبدأوا في ظِلِّ قيادته الرشيدة وتوجيهاته الحكيمة حملة ضِدَّ السُّنَن الفاسدة ، والعادات والتقاليد المذمومة التي كانت سائدة آنذاك ، مُعلنين عن مُخالفتهم للمُعتقدات والأفكار الباطلة أينما حلُّوا في أُسرتهم ومُجتمعهم ، أو في حِلِّهم وترحالهم .
كان سعد بن مالك مِن الشباب النشيطين والمُتحمِّسين في صدر الإسلام ، وقد اعتنق الإسلام على يد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وهو في سِنِّ الـ 17 ، وكان سعد قد أظهر وفاءه للإسلام ومُخالفته للجاهليَّة في أكثر مِن مكان وزمان ، لا سِيَّما في الظروف الحرجة التي مَرَّ بها المسلمون قبل الهِجرة .
وكان أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) إذا أرادوا الإتيان بالصلاة ، ينزلون إلى شعاب مَكَّة ليتَّقوا شَرَّ المُشركين ، فبينا سعد بن مالك في نفر مِن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) في شِعبٍ مِن شعاب مَكَّة ، إذ ظهر عليهم نفر مِن المُشركين ، فناكروهم وعابوا عليهم دينهم حتَّى قاتلوهم فاقتتلوا ، فضرب سعد رجُلاً مِن المُشركين بلِحي جَمَل ، فشجَّه فكان أوَّل دَمٍ أُريق في الإسلام .
وكان المُشركون في تلك الأيَّام في ذروة قوَّتهم وجَبروتهم ، بينما المسلمون في نهاية الضعف والعجز ، وأيُّ صِدامٍ بين الطرفين ـ آنذاك ـ كان يَجرُّ إلى أحداث خطيرة ، ولكنَّ الشباب الذين أعدُّوا أنفسهم لتحمُّل شتَّى أنواع التعذيب والأذى لم