كان ابن المقفع رجلاً ذكيَّاً ذا شأنٍ عظيمٍ في عصره ، وكان يمتاز عن غيره بقوَّة عقله وحِدَّة ذكائه . وقد نجح في بداية شبابه في تلقِّي العلوم ، وترجمة بعض الكُتب العلميَّة إلى اللغة العربيَّة لفطنته وكفاءته الفطريَّة ، إلاّ أنَّ تفوّقه العقلي والفكري جعل منه إنساناً مَغروراً ، وترك في سلوكه وأخلاقه آثاراً سيِّئة ، مِمَّا جعله يواجه مَشاكل جَمَّة في عَلاقاته الاجتماعيَّة .
وكان ابن المُقفع يستهزئ بالناس ويُحقِّرهم بكلمات وألفاظ بذيئة ؛ ليُثير في نفوسهم روح الحِقد والعِداء .
وكان سفيان بن مُعاوية ـ الذي نصَّبه المنصور الدوانيقي والياً على البصرة ـ مِن جُملة الأشخاص الذين لم يأمنوا لسان ابن المقفع ، إذ كان هذا الأخير يستهزئ بسفيان بن مُعاوية أمام الناس .
وكان سفيان بن مُعاوية ذا أنف كبير قبيح الشَّكل ، وكلَّما دخل عليه ابن المقفع في دار الولاية قال بأعلى صوته أمام الملأ : السَّلام عليكم ، ويعني به : السَّلام عليك وعلى أنفك الكبير ، وذات يوم رَدَّ عليه سفيان بالقول : إنَّني لستُ نادماً على التزامي الصمت حيالك ، فقال له ابن المقفع : إنَّ مَن خِصلته التلعثُم في الكلام يجب أنْ لا يندم أبداً على التزام الصَّمت .
وأحياناً كان ابن المقفع يُعيِّر سفيان بن مُعاوية بأُمِّه ، حيث كان يُناديه بأعلى الصوت وأمام الجميع (يابن المُغتلمة) أيْ : يا ابن المُنقادة للشهوة . وذات يوم أراد ابن المقفع أنْ يظهر جهل وسذاجة سفيان ، فسأله في محفل عامٍّ عن رجل يموت ويُخلِّف زوجة وزوج ، كيف يتمُّ تقسيم الميراث بينهما ؟
آثار ابن المقفع ذلك الرجل الذكي الفطن بكلامه المُهين ، النابع مِن غُروره وتكبُّره ، حِقد سفيان عليه وعداءه له ، وبات سفيان يتحيَّن الفُرص للانتقام مِن ابن المقفع شرَّ انتقام .