كل جسم نام من نبات أو حيوان أو إنسان فبدء تكوينه بذرة مختلطة من أمشاج الأرض و عناصرها المختلفة، ثمّ تستمد نموّها و رقيها من المواد الأرضية، و تتعاقب عليها الصور فتلبس صورة ثمّ تخلعها، و تكتسي صورة أخرى، فهي بما فيها من القوة و الاستعداد لا تزال في خلع و لبس، و نمو و سمو، دائبة في صراط السير و الحركة إلى الغاية المعدة لها، و جميع تلك الصور و الفعليات التي تتعاور على تلك البذرة الحاملة للقوة و الاستعداد لقبول كل تلك الصور، يفيضها المبدا الأعلى بتوسط المثل العليا و العقول المفارقة، و النفوس الكلية متدرجة في قوس النزول إلى تلك المادة، و البذرة الحاملة، أو المحمولة للهيولى الأولى، و التي هي محض القوة و الاستعداد، و هي آخر تنزلات تلك الفعلية التامة و الهوية الوجودية الكاملة.
ثمّ بعد أن نزلت إلى أقصى مراتب الضعف و الشأنية أخذت ترتقي في قوس الصعود من صعدة إلى أخرى حتى تصل إلى ما منه بدأت، منه البدء و إليه المعاد و كَمََا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ .
فالنهاية هي العود إلى البداية، و المبدا هو الغاية، و كل تلك الصور المتعاقبة في قوس الصعود تتلاشى موادّها و تتفرق عناصرها، و تضمحل تراكيبها، أما صورها فهي محفوظة عند أرباب أنواعها و مثلها العليا من العقول