حيث عرفت جيدا أنّ في الإنسان بدنا برزخيا بين الروح المجرد و الجسد المادي، فاعلم أنّ هذا البدن قد تغلب عليه الناحية الروحية و النزعات العقلية، فيغلب على الجسد المادي و يسخره لحكمه، و يكون تابعا له و منقادا لأمره، و قد ينعكس الأمر، فتتغلب النواحي المادية و الشهوات الحسية على الملكات الروحية، فتصير الروح مسخرة للمادة تابعة لها منقادة لرغباتها و شهواتها، و هنا تصير الروح مادة تهبط إلى الدرك الأسفل، و ظلمات الجهالات، و لكنه أخلد إلى الأرض، و هناك تصير المادة روحا حتى تخف و تلطف، و تنطبع بطابع المجردات، فتسمو إلى الملأ الأعلى في هذه الحياة الدنيا، فضلا عن الحياة الأخرى، و قديما ما قال بعض الشعراء في سوانحهم الشعرية:
خفت و كادت أن تطير بجسمها # و كذا الجسوم تخف بالأرواح
بل الجسم قد يطير بالروح، و قد قلت في كلمة سابقة: إنّ الأنبياء و الحكماء و العرفاء و من هو على شاكلتهم-من رجال اللّه تعالى-جعلوا أبدانهم أرواحا، أما نحن فقد جعلنا أرواحنا أبدانا، و إذا صار البدن روحا و غلب حكم الملك على الملكوت، لم يعسر على ذلك أن يخترق حدود الزمان و سدود المكان، فيحكم على الزمان و المكان، و لا يحكم شيء منهما عليه.
و بهذا يسهل عليك تصور المعراج الجسماني، و سيره في الملكوت الأعلى و رجوعه قبل أن يبرد فراشه، و إحضار آصف عرش بلقيس قبل أن يرتد