و الثانية: و هي أكبر آية و أعظم إعجازا، و أسطع برهانا، ذاك أنّ من يستقرئ سيرة النبي صلّى اللّه عليه و آله بعد هجرته من وطنه البيت الحرام إلى مصيره الأخير -يثرب-يجده في هذه السنوات الأخيرة من عمره الشريف كالرجل الفارغ البال من أثقال العيال، يجده كالوادع الآمن و الهادئ المطمئن، كأنه لا علاقة له بشيء من النساء، و لا واحدة، فضلا عن المتعدد، فهو قائد جيش، و مشرع أحكام، و إمام محراب، و قاضي خصومات، و عاقد رايات، و مؤسس شريعة، و عابد منقطع إلى التهجد و العبادة، و لقد كان يصلي حتى و رمت قدماه، فكيف مع ذلك كله استطاع إدارة تسع نساء أو أكثر مع شدة الغيرة و التنافس بينهن؟و كيف لم يقسمن فكره و يشغلن باله عن تلك الأعمال الجبارة و العزيمة القهّارة؟فهل هذه إلاّ معجزة بذاتها، و القدرة الإلهية بأجلى مظاهرها؟
و هل تريد لتعدد الزوجات أعظم من هذه الحكمة، و أبلغ من هذه الفائدة؟ و لعل هذه واحدة من ألف، و إشراقة من شمس، و إلاّ فالمسألة كما ذكرنا تستحق أن تفرد بالتآليف لكثرة ما فيها من السياسات و الحكم.
السؤال الحادي عشر:
ما وجه القسم بالتين، و الزيتون؟و ما سبب امتيازهما بين المخلوقات؟ و ما تفسيرها؟
الجواب:
جرت سنة اللّه العظيم في كتابه: أنّ يقسم بمخلوقاته، العظيمة البركة، العميمة الفائدة، كالشمس و القمر، و النون و القلم، و الرياح الذاريات و المرسلات، كما يقسم بالقرآن الذي هو شمس الهداية الحقيقية، و هداية