نام کتاب : الطب النبوي نویسنده : ابن قيّم الجوزية جلد : 1 صفحه : 29
و في تكرار سقيه العسل معنى طبي بديع، و هو أن الدواء يجب ان يكون له مقدار، و كمية بحسب حال الداء، إن قصر عنه، لم يزله بالكلية، و إن جاوزه، أوهى القوى، فأحدث ضررا آخر، فلما أمره أن يسقيه العسل، سقاه مقدارا لا يفي بمقاومة الداء، و لا يبلغ الغرض، فلما أخبره، علم أن الذي سقاه لا يبلغ مقدار الحاجة، فلما تكرر ترداده الى النبي (صلى اللّه عليه و سلم)؛ أكّد عليه المعاودة ليصل إلى المقدار المقاوم للداء، فلما تكررت الشربات بحسب مادة الداء، برأ، بإذن اللّه، و اعتبار مقادير الأدوية، و كيفياتها، و مقدار قوة المرض و المريض من أكبر قواعد الطب.
و في قوله (صلى اللّه عليه و سلم): «صدق اللّه و كذب بطن أخيك»، إشارة الى تحقيق نفع هذا الدواء، و أن بقاء الداء ليس لقصور الدواء في نفسه، و لكن لكذب البطن، و كثرة المادة الفاسدة فيه، فأمره بتكرار الدواء لكثرة المادة.
و ليس طبّه (صلى اللّه عليه و سلم) كطبّ الآباء، فإن طب النبي (صلى اللّه عليه و سلم) متيقن قطعي إلهي، صادر عن الوحي، و مشكاة النبوة، و كمال العقل. و طبّ غيره، أكثره حدس و ظنون، و تجارب، و لا ينكر عدم انتفاع كثير من المرضى بطب النبوة، فإنه إنما ينتفع به من تلقّاه بالقبول، و اعتقاد الشفاء به، و كمال التلقي له بالإيمان و الإذعان، فهذا القرآن الذي هو شفاء لما في الصدور- إن لم يتلق هذا التلقي- لم يحصل به شفاء الصدور من أدوائها، بل لا يزيد المنافقين إلا رجسا إلى رجسهم، و مرضا الى مرضهم، و أين يقع طب الأبدان منه، فطب النبوة لا يناسب إلا الأبدان الطيبة، كما أن شفاء القرآن لا يناسب إلا الأرواح الطيبة و القلوب الحية، فإعراض الناس عن طب النبوة كإعراضهم عن الاستشفاء بالقرآن الذي هو الشفاء النافع، و ليس ذلك لقصور في الدواء، و لكن لخبث الطبيعة، و فساد المحل، و عدم قبوله، و اللّه الموفق.
فصل
و قد اختلف الناس في قوله تعالى: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ
نام کتاب : الطب النبوي نویسنده : ابن قيّم الجوزية جلد : 1 صفحه : 29