نام کتاب : الطب النبوي نویسنده : ابن قيّم الجوزية جلد : 1 صفحه : 13
فإنه لا شيء من المخلوقات إلا له ضد، و كل داء له ضد من الدواء يعالج بضده، فعلق النبي (صلى اللّه عليه و سلم) البرء بموافقة الداء للدواء، و هذا قدر زائد على مجرد وجوده، فإن الدواء متى جاوز درجة الداء في الكيفية، أو زاد في الكمية على ما ينبغي، نقله إلى داء آخر، و متى قصر عنها لم يف بمقاومته، و كان العلاج قاصرا، و متى لم يقع المداوي على الدواء، أو لم يقع الدواء على الداء، لم يحصل الشفاء، و متى لم يكن الزمان صالحا لذلك الدواء، لم ينفع، و متى كان البدن غير قابل له، أو القوة عاجزة عن حمله، أو ثم مانع يمنع من تأثيره، لم يحصل البرء لعدم المصادفة، و متى تمت المصادفة حصل البرء بإذن اللّه و لا بد، و هذا أحسن المحملين في الحديث.
و الثاني: أن يكون من العام المراد به الخاص، لا سيما و الداخل في اللفظ أضعاف أضعاف الخارج منه، و هذا يستعمل في كل لسان، و يكون المراد أن اللّه لم يضع داء يقبل الدواء إلا وضع له دواء، فلا يدخل في هذا الأدواء التي لا تقبل الدواء، و هذا كقوله تعالى في الريح التي سلطها على قوم عاد تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها[1] أي كل شيء يقبل التدمير، و من شأن الريح أن تدمّره، و نظائره كثيرة.
و من تأمل خلق الأضداد في هذا العالم، و مقاومة بعضها لبعض، و دفع بعضها ببعض و تسليط بعضها على بعض، تبيّن له كمال قدرة الرب تعالى، و حكمته، و إتقانه ما صنعه، و تفرده بالربوبية، و الوحدانية، و القهر، و أن كل ما سواه فله ما يضاده و يمانعه، كما أنه الغنيّ بذاته، و كلّ ما سواه محتاج بذاته.
و في الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي، و أنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع داء الجوع، و العطش، و الحر، و البرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها اللّه مقتضيات لمسبّباتها قدرا و شرعا، و أن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر و الحكمة، و يضعفه من حيث يظن معطّلها أن تركها أقوى في التوكل، فإن تركها عجزا ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد
[1] الأحقاف- 25- و هي الريح العاصفة التي دمر اللّه بها عادا قوم هود، و كان ذلك بإرادة اللّه سبحانه، فأهلكتهم رجالا و نساء و صغارا و كبارا، و أهلكت أموالهم. و بقي هود و من آمن معه.
نام کتاب : الطب النبوي نویسنده : ابن قيّم الجوزية جلد : 1 صفحه : 13