نام کتاب : الشيعة في مسارهم التاريخي نویسنده : الأمين، السيد محسن جلد : 1 صفحه : 8
من قساوة الزمن و عظم التحديات. و فرادته أن الفقر المنتشر على المساحة الكبيرة، لم يعق حركة التقدم أو يحبط النفوس المتوثبة و الرائية دائما إلى الشمس. و الدّين هنا ينتج الثّقافة و الثّورة، و ليس مجرّد طقوس و أدعية و ابتهالات.
لقد انتفض جبل عامل مبكرا على السّلطة الظالمة و دعوات منظّريها الناس إلى الخضوع و الركون للأمر الواقع. و منذ القديم كان للإسلام مفهوم آخر لدى علمائه، فلا فصل بين سيف و قلم، فإن تعثّر الأول كان الثاني هو السّلاح، ذلك الذي امتشقه العامليّون في معركة التّحدي أبناء عن آباء عن أجداد. كان العلم إذا وسيلتهم إلى قهر الظروف القاسية و مواجهة الظلم و تحقيق الذات في الحرية و العدالة و الارتقاء. و هذا ما عبّر عنه قبل نيف و ستة قرون، الشهيد الأول (محمد بن مكي) مؤسس النهضة العلمية و الأدبية في جبل عامل حين قال:
شغلنا بكسب العلم عن طلب الغنى # كما شغلوا عن مطلب العلم بالوفر
فصار لهم حظ من الجهل و الغنى # و صار لنا حظ من العلم و الفقر [1]
لم يقف الفقر حاجزا أمام التّقدّم، بل كان الحافز إلى العلم، بوصفه سبيلا للخروج من الواقع الصعب. و البيوت الخالدة هي التي عمرت بالعلماء و استمرت مضيئة على مدى الأزمنة، فيما اندثرت تلك التي تأسست على الجهل و سلطة المال. و في هذا المعنى يقول الشاعر العاملي موسى الزين شرارة:
رب بيت خلّد المرء # و آلاف البيوت
لم تعش غير قليل # كبيوت العنكبوت
من سلالة هذا الحبر النقي، و من معدن العلم المشبع بالقضيّة و المختلج بالمعاناة، كان أحد البيوت الشامخة التي تحدّر منها السيد محسن الأمين، و تعملق علما من رموز النهضة في المشرق العربي.
2-الولادة و النشأة
ثمة محطات ثلاث أساسية في تاريخ السيد الأمين: الأولى في جبل عامل،
[1] حسن الأمين، عصر حمد المحمود و الحياة الشعرية في جبل عامل، ص 14.
نام کتاب : الشيعة في مسارهم التاريخي نویسنده : الأمين، السيد محسن جلد : 1 صفحه : 8