و قد حدثنا الخطيب أن ابن عباد كان يقول أشتهي أن أدخل بغداد فأشاهد جرأة محمد بن عمر العلوي و تنسك أبي أحمد الموسوي، و ظرف أبي محمد معروف.
و لما استقل الطائع بالخلافة بعد أبيه و استوى على العرش عز الدولة، كان ذلك الدور من أهنأ أدوار حياة أبي الشريف، تهابه الوزراء و تتحاشاه الحجاب و الكتاب، فقد عزل بختيار وزيره أبا الفضل العباس ابن الحسين لعداوته له تلك العداوة التي نشأت من بغضه للشيعة و كان أبو أحمد سفيره إلى (الفتكين) أمير الأتراك و للصلح بينه و بين أبي تغلب بن حمدان. و في هذه الظروف تكونت الصلة المتينة بين هذا الشريف و الصابي. و قد حرك له الوتر الحساس و صب في روحه الأماني العالية، و استدرجه إلى الثقة به، لما أنس منه الطموح و الافتتان بذلك و قد تحدرت منه هذه النزعة إلى ولده الرضي. فان في رسائل الصابي التي تتعلق بهذا الشريف ملق كثير، و مدائح فيها إغراق و إغراء. و الصابي حاذق ماهر بما عنده من التجارب الطويلة في خدمة الخلفاء و الملوك و في أساليب المصانعة و الملق.
و قد استسلمت الخلافة لعز الدولة و مرج نفوذها بحكم سلطانه، و في ذلك يقول الصابي في إحدى رسائله:
ان أمير المؤمنين يعلمكم أن عز الدولة يده التي يبطش بها و عدته التي يعول عليها، (و منها) و قد قرن أمير المؤمنين العهد في ذلك عليكم بعهد البيعة الحاصلة في أعناقكم... إلى أن يقول: «و ليس لكم صلاة و لا زكاة و لا عقد و لا مناكحة و لا معاملة إلا مع طاعته سرا و جهرا و قولا و فعلا، فاعلموا أن ذلك من رأي أمير المؤمنين... إلى آخره» .