و «نصب الموازين» الموازين: كناية عن الأنبياء و الأوصياء (عليهم السلام)، كما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام)[2]، و إنما كنّى عنهم (عليهم السلام) بالموازين؛ لأنّ ميزان كلّ شيء هو المعيار الذي به يعرف قدر ذلك الشيء، فميزان يوم القيامة ما يوزن به قدر كلّ إنسان و قيمته على حسب عقائده و أخلاقه و أعماله، لتجزى كلّ نفس بما كسبت، و ما ذلك إلّا الانسان الكامل، إذ به و باقتفاء أثره و ترك ذلك و بالقرب من طريقته و البعد عنها يعرف مقادير الناس و أثقال حسناتهم، فميزان كلّ أمّة هو نبي تلك الأمّة و وصيّ نبيها و الشريعة التي أتى بها فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوٰازِينُهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَ مَنْ خَفَّتْ مَوٰازِينُهُ فَأُولٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ[3] و قد بسطنا القول في بيان هذا المعنى في كتاب (ميزان القيامة) بما لا مزيد عليه.
«يطرح عن المسلم سيّئاته» إن قيل: ما معنى طرح السيئات و أخذ الحسنات و النقائص فيها و الزيادات؟ و هل هي عبارة إلّا عن أعمال و حركات قد انقضت و فنيت، و غايتها أن تبقى آثارها في النفوس بعد ما ترسّخت و لزمت، فكيف تنقل من نفس إلى أخرى؟ قلنا: هذا النقل واقع في الدنيا عند جريان الظلم، لكنّه ينكشف في القيامة، فيرى الإنسان طاعات نفسه في ديوان غيره، و ما لم ينكشف ذلك له بعد فكأنّه ليس بموجود له، و إن كان موجودا في نفسه، فإذا انكشف له و علمه، صار موجودا له و كأنّه وجد الآن في حقّه، ثم المنقول ليس نفس الحسنات و السيّئات، بل الأثر الذي يترتّب عليهما من تنوير القلب و إظلامه، و إنّما عبّر بهما عن الأثر لأنّه المقصود و الغاية منهما، و بين آثارهما تعاقب و تضادّ، و لذلك قال اللّه تعالى: إِنَّ الْحَسَنٰاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئٰاتِ[4].
و في الحديث النبويّ: «اتبع السيّئة بالحسنة تمحها» [5] و الآلام تمحيصات للذنوب، و لذلك قال النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): «إنّ الرجل ليثاب حتى بالشوكة تصيب رجله» و قال: «الحدود كفّارات لأهلها» [6].
فالظالم يتبع شهوته بالظلم، و فيه ما يقسي قلبه و يسوّده، فيمحو أثر النور الذي في قلبه من طاعته، و كأنّه أحبط طاعته، و المظلوم يتألّم و تكسر شهوته