و قطن مدّة ببهبهان؛ فلمّا استكمل على يد والده انتقل إلى العراق فورد النجف الأشرف و حضر مجلس بحث مدرّس ذلك الوقت فلم يجده كاملا، فانتقل إلى كربلاء المشرّفة، و هي يومئذ مجمع الأخباريّين، و رئيسهم يومئذ الشيخ يوسف صاحب «الحدائق»، فحضر بحثه أيّاما، ثمّ وقف يوما في الصحن الشريف و نادى بأعلى صوته: أنا حجّة اللّه عليكم، فاجتمعوا عليه و قالوا: ما تريد؟ فقال:
اريد أنّ الشيخ يوسف يمكّنني من منبره و يأمر تلامذته أن يحضروا تحت منبري، فأخبروا الشيخ يوسف بذلك، و حيث أنّه يومئذ كان عادلا عن مذهب الأخباريّة خائفا من إظهار ذلك من جهّالهم طابت نفسه بالإجابة ... [1].
يعدّ هذا مبدأ تحوّل عظيم في تأريخ التشيّع؛ إذ اتّفق الجلّ- إن لم نقل الكلّ- على أنّه لو لا هذه الحركة المباركة و الهجرة العلميّة لكان اليوم مسير الفقه الشيعي و تأريخ الاجتهاد و الاستنباط بشكل آخر.
يحدّثنا تلميذ المترجم المولى الحائري في كتابه «منتهى المقال» عن هذه الهجرة فيقول:
و كلّما يخطر بخاطره الشريف الارتحال منها إلى بعض البلدان تغيّر الدهر و تنكّد الزمان، فرأى الإمام (عليه السّلام) في المنام يقول له: (لا أرضى لك أن تخرج من بلدي)، فجزم العزم على الإقامة بذلك النادي، و قد كانت بلدان العراق- سيّما المشهدين الشريفين- مملوءة قبل قدومه من معاشر الأخباريّين، بل و من جاهليهم و القاصرين، حتّى أنّ الرجل منهم كان إذا أراد حمل كتاب من كتب فقهائنا رضي اللّه عنهم حمله مع منديل، و قد أخلى اللّه البلاد منهم ببركة قدومه و اهتدى المتحيّرة في الأحكام بأنوار علومه. و بالجملة؛ كلّ من عاصره من