نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 63
مفهومة كلّها، و ما بالنا نفهم بعضها و لا نفهم أكثرها، و ما بالك تقدّم بعض العويص و تؤخّر بعض المفهوم؟!قال: أنا رجل لم أضع كتبي هذه للّه، و ليست هي من كتب الدين، و لو وضعتها هذا الوضع الذي تدعوني إليه، قلّت حاجاتهم إليّ فيها، و إنّما كانت غايتي المنالة، فأنا أضع بعضها هذا الوضع المفهوم، لتدعوهم حلاوة ما فهموا إلى التماس فهم ما لم يفهموا، و إنّما قد كسبت في هذا التدبير، إذ كنت إلى التكسّب ذهبت، و لكن ما بال إبراهيم النظّام، و فلان و فلان، يكتبون الكتب للّه بزعمهم، ثم يأخذها مثلي في مواقفته [1] ، و حسن نظره، و شدّة عنايته، و لا يفهم أكثرها؟! و أقول: لو أنّ يوسف السّمتيّ، كتب هذه الشروط، أيّام جلس سلمان بن ربيعة شهرين للقضاء، فلم يتقدّم إليه رجلان، و القلوب سليمة و الحقوق على أهلها موفّرة، لكان ذلك خطلا و لغوا؛ و لو كتب في دهره شروط سلمان، لكان ذلك غرارة و نقصا، و جهلا بالسياسة، و بما يصلح في كلّ دهر.
61-[مواضع الاستطراد]
و وجدنا الناس إذا خطبوا في صلح بين العشائر أطالوا، و إذا أنشدوا الشعر بين السّماطين في مديح الملوك أطالوا. و للإطالة موضع و ليس ذلك بخطل، و للإقلال موضع و ليس ذلك من عجز.
و لو لا أنّي أتّكل على أنّك لا تملّ باب القول في البعير حتّى تخرج إلى الفيل، و في الذّرّة حتّى تخرج إلى البعوضة، و في العقرب حتّى تخرج إلى الحيّة، و في الرجل حتّى تخرج إلى المرأة، و في الذّبان و النحل حتى تخرج إلى الغربان و العقبان، و في الكلب حتّى تخرج إلى الديك، و في الذئب حتّى تخرج إلى السبع، و في الظّلف حتّى تخرج إلى الحافر، و في الحافر حتّى تخرج إلى الخفّ، و في الخفّ حتّى تخرج إلى البرثن، و في البرثن حتّى تخرج إلى المخلب، و كذلك القول في الطير و عامّة الأصناف، لرأيت أنّ جملة الكتاب، و إن كثر عدد ورقه، أنّ ذلك ليس مما يملّ، و يعتدّ عليّ فيه بالإطالة، لأنّه و إن كان كتابا واحدا فإنّه كتب كثيرة، و كلّ مصحف منها فهو أمّ على حدة، فإن أراد قراءة الجميع لم يطل عليه الباب الأوّل حتّى يهجم على الثاني، و لا الثاني حتّى يهجم على الثالث، فهو أبدا مستفيد و مستطرف، و بعضه