نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 52
و القباب الخضر، و الشّرف على حيطان الدار، و كالعقد على الدّهليز و ما أشبه ذلك، فقال بعض من حضر: «كتب الحكماء و ما دوّنت العلماء من صنوف البلاغات و الصّناعات، و الآداب و الإرفاق [1] ، من القرون السابقة و الأمم الخالية، و من له بقيّة و من لا بقيّة له، أبقى ذكرا و أرفع قدرا و أكثر ردّا، لأنّ الحكمة أنفع لمن ورثها، من جهة الانتفاع بها، و أحسن في الأحدوثة، لمن أحبّ الذكر الجميل» .
42-[طمس آثار الأمم السالفة]
و الكتب بذلك أولى من بنيان الحجارة و حيطان المدر؛ لأنّ من شأن الملوك أن يطمسوا على آثار من قبلهم، و أن يميتوا ذكر أعدائهم، فقد هدموا بذلك السبب أكثر المدن و أكثر الحصون، كذلك كانوا أيّام العجم و أيّام الجاهليّة. و على ذلك هم في أيّام الإسلام، كما هدم عثمان صومعة غمدان، و كما هدم الآطام [2] التي كانت بالمدينة، و كما هدم زياد كلّ قصر و مصنع كان لابن عامر، و كما هدم أصحابنا بناء مدن الشامات [3] لبني مروان.
43-[تاريخ الشعر العربي]
و أما الشعر فحديث الميلاد، صغير السنّ، أوّل من نهج سبيله، و سهّل الطريق إليه: امرؤ القيس بن حجر، و مهلهل بن ربيعة. و كتب أرسطاطاليس، و معلّمه أفلاطون، ثم بطليموس، و ديمقراطس، و فلان و فلان، قبل بدء الشعر بالدهور قبل الدهور، و الأحقاب قبل الأحقاب.
و يدلّ على حداثة الشعر، قول امرئ القيس بن حجر: [من المنسرح]
إنّ بني عوف ابتنوا حسنا # ضيّعه الدّخللون إذ غدروا [4]
أدّوا إلى جارهم خفارته # و لم يضع بالمغيب من نصروا [5]
[1] الأرفاق: جمع رفق، و هو ما استعين به. اللسان: رفق.
[2] الآطام: جمع أطم. و هو كل بيت مربع مسطّح، و قيل: هو حصن مبني بحجارة، أو أبنية مرتفعة كالحصون. اللسان: أطم.
[3] الشامات: كورة كبيرة من نواحي نيسابور، اجتاز بها عبد الله بن عامر بن كريز، فرأى هناك سباخا فقال: ما هذه الشامات؟فسميت بذلك. و فيها ما يزيد على «300» قرية. (البلدان 3/311) ، و قيل: الشامات خمس، فلسطين و مدينتها بيت المقدس، و الأردن و مدينتها طبرية، و الغوطة و مدينتها دمشق، و حمص، و قنسرين و مدينتها حلب. (العقد الفريد 6/251-252) .