responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ    جلد : 1  صفحه : 34

أمرا، و لا أطيب ثمرة، و لا أقرب مجتنى، و لا أسرع إدراكا، و لا أوجد في كلّ إبّان، من كتاب. و لا أعلم نتاجا في حداثة سنّه و قرب ميلاده، و رخص ثمنه، و إمكان وجوده، يجمع من التدابير العجبية و العلوم الغريبة، و من آثار العقول الصحيحة، و محمود الأذهان اللطيفة، و من الحكم الرفيعة، و المذاهب القويمة، و التجارب الحكيمة، و من الإخبار عن القرون الماضية، و البلاد المتنازحة، و الأمثال السائرة، و الأمم البائدة، ما يجمع لك الكتاب. قال اللّه عزّ و جلّ لنبيّه عليه الصلاة و السلام‌ اِقْرَأْ وَ رَبُّكَ اَلْأَكْرَمُ.

اَلَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ [1] فوصف نفسه، تبارك و تعالى، بأن علّم بالقلم، كما وصف نفسه بالكرم، و اعتدّ بذلك في نعمه العظام، و في أياديه الجسام. و قد قالوا: «القلم أحد اللسانين» ، و قالوا: «كلّ من عرف النّعمة في بيان اللسان، كان بفضل النّعمة في بيان القلم أعرف» . ثمّ جعل هذا الأمر قرآنا، ثمّ جعله في أوّل التنزيل و مستفتح الكتاب.

19-[حاجة بعض الناس إلى بعض‌]

ثمّ اعلم، رحمك اللّه تعالى، أنّ حاجة بعض الناس إلى بعض، صفة لازمة في طبائعهم، و خلقة قائمة في جواهرهم، و ثابتة لا تزايلهم، و محيطة بجماعتهم، و مشتملة على أدناهم و أقصاهم، و حاجتهم إلى ما غاب عنهم-ممّا يعيشهم و يحييهم، و يمسك بأرماقهم، و يصلح بالهم، و يجمع شملهم، و إلى التعاون في درك ذلك، و التوازر عليه-كحاجتهم إلى التعاون على معرفة ما يضرّهم، و التوازر على ما يحتاجون من الارتفاق بأمورهم التي لم تغب عنهم، فحاجة الغائب موصولة بحاجة الشاهد، لاحتياج الأدنى إلى معرفة الأقصى، و احتياج الأقصى إلى معرفة الأدنى، معان متضمّنة، و أسباب متّصلة، و حبال منعقدة. و جعل حاجتنا إلى معرفة أخبار من كان قبلنا، كحاجة من كان قبلنا إلى أخبار من كان قبلهم، و حاجة من يكون بعدنا إلى أخبارنا؛ و لذلك تقدّمت في كتب اللّه البشارات بالرّسل، و لم يسخّر لهم جميع خلقه، إلاّ و هم يحتاجون إلى الارتفاق بجميع خلقه. و جعل الحاجة حاجتين:

إحداهما قوام و قوت، و الأخرى لذّة و إمتاع و ازدياد في الآلة، و في كلّ ما أجذل النفوس، و جمع لهم العتاد. و ذلك المقدار من جميع الصّنفين وفق لكثرة حاجاتهم و شهواتهم، و على قدر اتّساع معرفتهم و بعد غورهم، و على قدر احتمال طبع البشريّة و فطرة الإنسانيّة. ثم لم يقطع الزيادة إلا لعجز خلقهم عن احتمالها، و لم يجز أن يفرق


[1] العلق/96: 3.

نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ    جلد : 1  صفحه : 34
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست