نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 132
160-[حوار في الكلب و الديك]
فإن قلت: و أيّ شيء بلغ من قدر الكلب و فضيلة الديك، حتّى يتفرّغ لذكر محاسنهما و مساويهما، و الموازنة بينهما و التنوية بذكرهما، شيخان من علية المتكلّمين، و من الجلة المتقدّمين. و على أنّهما متى أبرما هذا الحكم و أفصحا بهذه القضيّة، صار بهذا التدبير بهما حظّ و حكمة و فضيلة و ديانة، و قلدهما كلّ من هو دونهما، و سيعود ذلك عذرا لهما إذا رأيتهما يوازيان بين الذّبّان و بنات وردان، و بين الخنافس و الجعلان، و بين جميع أجناس الهمج و أصناف الحشرات، و الخشاش، حتّى البعوض و الفراش و الديدان و القردان [1] فإن جاز هذا في الرأي و تمّ عليه العمل، صار هذا الضّرب من النظر عوضا من النّظر في التوحيد، و صار هذا الشكل من التمييز خلفا من التعديل و التجوير، و سقط القول في الوعد و الوعيد، و نسي القياس و الحكم في الاسم، و بطل الردّ على أهل الملل، و الموازنة بين جميع النّحل، و النظر في مراشد الناس و مصالحهم، و في منافعهم و مرافقهم؛ لأنّ قلوبهم لا تتّسع للجميع، و ألسنتهم لا تنطلق بالكلّ. و إنّما الرأي أن تبدأ من الفتق بالأعظم، و الأخوف فالأخوف.
و قلت: و هذا باب من أبواب الفراغ و شكل من أشكال التطرّف و طريق من طرق المزاح، و سبيل من سبل المضاحك. و رجال الجدّ غير رجال الهزل، و قد يحسن بالشّباب و يقبح مثله من الشيوخ، و لو لا التحصيل و الموازنة، و الإبقاء على الأدب، و الدّيانة بشدّة المحاسبة، لما قالوا: لكلّ مقام مقال [2] ، و لكلّ زمان رجال [3] ، و لكلّ ساقطة لاقطة [4] ، و لكلّ طعام أكلة [5] .
161-[تنوع الملكات و قوتها و ضرورة ظهورها]
قد زعم أناس أنّ كلّ إنسان فيه آلة لمرفق من المرافق، و أداة لمنفعة من المنافع، و لا بدّ لتلك الطبيعة من حركة و إن أبطأت، و لا بدّ لذلك الكامن من ظهور، فإن أمكنه ذلك بعثه، و إلاّ سرى إليه كما يسري السمّ في البدن، و نمى كما ينمي العرق، كما أنّ البزور البرّيّة، و الحبّة الوحشيّة الكامنة في أرحام الأرضين، لا بدّ لها من حركة
[1] القردان: جمع قراد، و هو دويبة تنتشر في أعطان الإبل. اللسان: قرد.
[2] مجمع الأمثال 2/198، و المستقصى 2/293، و الفاخر 314.