[تمامية دلالة كل واحد من الأدلة الأربعة على حجّية الأخبار]
و قد علمت دلالة كلّ واحد منها عليه بوجوهه العديدة بالتقارير السديدة، و دفع جميع الإيرادات القريبة و البعيدة، كما لا يخفى على اولي الأوصاف الحميدة، و أنّ دلالتها سيما الوجوه العقلية إنّما هو على حجّية مطلق مظنون الصدور.
و العجب من شدّة انهماك الماتن طاب ثراه في التدقيقات، و كثرة تورّعه في الاقتصار على المتيقّنات، حيث قال بعد الفراغ عن ذكر الأدلّة المذكورة و قد علمت دلالة بعضها و عدم دلالة البعض الآخر: «و الانصاف أنّ الدالّ منها لم يدل إلّا على وجوب العمل بما يفيد الوثوق و الاطمئنان بمؤدّاه[1]... إلخ».
[الاستدلال على حجّية الظن]
أقول: و قد علمت ممّا تلونا أيضا أنّ إنكار دلالة شيء من الأدلّة المذكورة أو إنكار دلالتها على حجّية مطلق مظنون الصدور من الأخبار ليس من الانصاف، بل هو إجحاف و احتراف عن طريقة الأشراف، فإنّ الإباء عن ظهور ظاهر منها ليس بأهون من الإباء عن ظهور حديث الغدير في خلافة الأمير (عليه السلام)، و حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين على اقتران العترة بالكتاب في الحجّية و الصواب و العصمة و الانتخاب على جميع الأصحاب، و عدم خلوّ الدهر منهم بالغياب إلى يوم الحساب، فإنّ الاقتحام في الصغائر افتتاح باب الكبائر كما لا يخفى على أولي البصائر، و لو لا المتشابهات لم يؤجر على المحكمات.
قال (قدّس سرّه): «الأول: انّ مخالفة المجتهد لما ظنّه من الحكم الوجوبي ... إلخ».
[محلّ النزاع في حجّية مطلق الظنّ و الاستدلال على حجّيته]
أقول: قبل الخوض في الدليل ينبغي أولا تحرير محلّ النزاع في حجّية مطلق الظنّ.
فنقول: أمّا الظنّ المطلق فليس المراد منه الحاصل من أيّ سبب من الأسباب و لو من مثل الاستخارة و الجفر و القياس، كما ربما يتوهّم على المبتدين، بل المراد منه الحاصل من الأسباب العادية للظنّ الغير القائم على إلغاء اعتبارها