و إذا عرفت كلّا من مذهبي الأخبارية و الفرق بينها فاعلم: أنّ الذي يصلح شاهدا للعلم المعتبر على وجه الموضوعية من سبب خاصّ- الذي هو مذهب بعضهم، و أنّه عبارة عن عدم اعتبار ما عدا العلم الحاصل من الكتاب و السنّة- إنّما هو مذهبهم الأوّل لا الثاني؛ فإنّ الثاني هو مذهب كلّهم لا بعضهم، و أنّه عبارة عن عدم اعتبار ما عدا العلم الحاصل من أخبار الوصوية لا عدم اعتبار ما عدا العلم الحاصل من الكتاب و السنّة.
فإن قلت: لعلّ اعتبار القطع الحاصل من الكتاب و السنّة عند الأخبارية من باب الطريقية، لا الموضوعية حتى يكون مثالا للمصنّف.
قلت: قد عرفت أنّ اعتبار العلم الطريقي لا يعقل اختصاصه بسبب دون سبب، فلا بدّ و أن يكون مراد الأخبارية من تخصيصهم اعتباره بالحاصل من الكتاب و السنّة دون الحاصل من العقل اعتباره على وجه الموضوعية ليتأتّى تفصيلهم فيه.
[وجه رجوع المقلّد إلى الغير]
قوله: «كحكم الشارع على المقلّد بوجوب رجوعه إلى الغير في الحكم ... إلى آخر الأمثلة».
[أقول:] لا يقال: إنّ جميع هذه الأمثلة لا تخلو من المناقشة، فإنّ حكم الشارع على المقلّد بوجوب الرجوع إلى الغير إذا علم به من الطرق الاجتهادية المعهودة، لا من مثل الرمل و الجفر، ليس بالدلالة الأصليّة المعتبرة عرفا، و إنّما هو بالدلالة التبعية القهرية كدلالة الآيتين [1] على أقلّ الحمل، فإنّ ما حكم به الشارع بالأصالة هو رجوع المقلّد إلى الغير، ثمّ استفيد من ضميمة نهيه عن الرّكون إلى قول الفاسق، و إلى الآخذ علمه من الطرق الغير الاجتهادية المعهودة تقييد الرجوع إلى العادل العالم من الطرق الاجتهادية المعهودة بالدلالة التبعيّة