اعلم إنّنا إنما نحتاج إلى هذه العلامات عند الجهل بمعنى اللفظ الحقيقي جهلا مطلقا، أو عند الشك في كون المعنى الذي استعمل فيه اللفظ حقيقيا أو مجازيا، و أما إذا علمنا ذلك بواسطة إعلام الواضع لنا بما وضعه مشافهة أو نقل عنه بالتواتر أو بحجة شرعية، فإنّه لا يبقى حاجة لهذه العلامات.
العلامة الأولى: التبادر:
و هو عبارة عن فهم المعنى من اللفظ عند أهل المحاورة بلا قرينة، و بعد اطلاع السامع المستعلم على ذلك يقطع بكونه حقيقة فيه، و حجية هذه العلامة ليست ذاتية فهي متفرقة إلى الدليل، و هو إمّا القطع و إمّا استقرار طريقة العقلاء و تقرير الشارع.
و ربما يقال: بأنّه لا طريق لإحراز التقرير، و عدم الردع هنا ليس تقريرا، إذ لا صلاحية للشارع في ذلك فإنّه ليس من شئونه، و هذا الكلام مطرد في سائر العلامات الآتية فلا تغفل.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ التبادر على نوعين، (حاقيّ) و هو ما استند إلى نفس اللفظ العاري عن القرينة، و إنّما سمي حاقيّا لاستناده إلى كونه حقيقة فيه، و (إطلاقيّ) و هو ما يستند إلى كثرة الإطلاق و الاستعمال بواسطة القرينة كالمجاز المشهور مثلا، فإنّ المعنى المجازي المشهور يفهم من اللفظ عند تجرده من القرائن الخاصة لكون الشهرة حينئذ قرينة عامة عليه، و لا يشترط في قرينة الشهرة الالتفات إليها تفصيلا بل يكفي الاعتماد عليها إجمالا و لو بمقتضى الارتكاز، و على هذا الغرار كل تبادر مسبب عن القرائن، لفظية كانت أم مقامية أم غيرها.
ثم أنّه ربما يقع الشك في كون التبادر حاقيّا أو إطلاقيا، و الظاهر عدم ثبوت علاميته حينئذ لانتفاء القطع، و لانتفاء بناء العقلاء، و التمسك بأصالة عدم