المبحث الأول: في أن النهي هل يقتضي الفساد في العبادة أو المعاملة أو لا؟
اختلف العلماء (رضوان اللّه عليهم) في دلالة النهي على الفساد أو اقتضائه له، على أقوال:
فقد قيل بدلالته مطلقا في العبادات و المعاملات على الفساد، و هو المنسوب للشافعية و الحنابلة، و قيل بعدم دلالته مطلقا و حكاه فخر المحققين عن أكثر أصحابه، و قيل بالتفصيل بين العبادات و المعاملات، فقالوا بدلالته على الفساد في العبادات و عدمه في المعاملات، و هو مختار جملة من المحققين، و ربما كان عليه متأخر و المتأخرين.
و من راجع كلماتهم وجدهم قد اختلفوا في كيفية تحرير المسألة، و الذي ينبغي هو أن يكون تحريرها على نهج تحرير الكلام في صيغة الأمر، فنقول:
لا ريب أن صيغة افعل و صيغة لا تفعل ظاهرتان عند انشائهما في إيجاد الداعي في نفس المخاطب بهما لإيجاد طبيعة المأمور به في الأول و إعدام طبيعة المنهي عنه في الثاني، و لا ريب أنهما مستعملتان بهذا المعنى و بهذا الداعي لا غير، و عليه تحملان عند إطلاقهما و لا تحملان على غيره إلا بقرينة.